المصرى اليوم
أسامة غريب
الفقر والداعية الداجن
الفقر لا يؤدى بالضرورة إلى السخط والنقمة، ولكن التفاوت الصارخ بين الناس فى مستوى المعيشة هو الذى يزرع الغضب.. وقد أسهم البث الفضائى فى إدخال ملايين الفقراء كهوف الإحباط والكآبة، بعد أن سمحت لهم قنوات التليفزيون برؤية ليس ما يحدث فى الخارج فقط، بل رؤية كيف يعيش الآخرون فى بلدهم ذاته. هذا التفاوت بين الفقر المدقع والثراء الشديد أسهم فى خلق الإنسان معدوم الضمير، الإنسان الذى يرحب بالكذب والغش والرشوة وأى وسيلة تدفع به إلى مجتمع المنعّمين أو على الأقل تسد احتياجاته الأساسية. وهكذا تفسَّخ المجتمع بعد أن أصبحت الشهامة والنجدة والوفاء عبئاً ثقيلاً على صاحبها قد يؤدى إلى تشريده وتجويع أبنائه. أما بالنسبة لدور الدين فإن ما حدث فى المجتمع المصرى يمثل حالة كلاسيكية يمكن تدريسها لسنوات طويلة..
لقد كانت الأدبيات الماركسية تتحدث عن الدين باعتباره مخدراً يدجّن الفقير ويجعله راضياً عن عذابه فى انتظار الجنة ونعيمها فى الآخرة، لكن الحالة المصرية تدحض أفكار «ماركس» وتسخر منها، حيث إن التدين فى المجتمع المصرى لم يكن بمثابة الأفيون الذى يجعل الناس ترضى بالمقسوم، إذ إن الذى يرضى بالمقسوم هذا هو إنسان لم يفقد ضميره، أما فى حالتنا هذه فغالبية الناس تخلت عن الضمير ولم ترضَ بالقسمة والنصيب، وإنما استجابت لدواعى السوق واكتسبت مهارات البقاء حتى أصبح الناس جميعاً تقريباً يسرقون الناس جميعاً!.

وأصبح التدين يقوم بوظيفة خداع النفس لإقناعها بأن المرء وإن كان يكذب ويغش ويخون ويطعن فى الظهر إلا أنه مازال يؤمن بالله ويؤدى فروضه فيصوم ويصلى ويكثر من رحلات العمرة.. وهذا من شأنه أن يخفف الشعور بالإثم ويمنح الشخص معدوم الضمير إحساساً زائفاً بالرضا عن النفس والقرب من الله.. ومن حسن حظ هؤلاء أن خط إنتاج للشيوخ والدعاة قد تم تدشينه، فأخذ يطلق منتجاته فى الأسواق، ومنها الدعاة العتاقى والدعاة الشمورت، وهؤلاء عملوا على إثارة فزع الناس من رفض الظلم أو المطالبة بالحقوق، إذ ما حاجتنا إلى كل هذا إذا كنا نستطيع أن نقلّب عيشنا بأى طريقة، بما فيها تجارة العملة والعمالة للأمن وقبول الإكراميات، ثم فتح التليفزيون فى المساء والاستماع إلى الداعية الناعم وهو يحكى لنا حواديت حلوة عن سير الصحابة والأنبياء.. مع رحلة العمرة آخر السنة، التى سنكون فيها بصحبة الداعية الداجن شخصياً!.. وحتى غير المتدينين فقدوا ضمائرهم أيضاً وأصبحوا فاسدين، إلا أنه يُحسب لهم استغناؤهم عن الخداع بالدين واعتناقهم القيم الإجرامية مباشرة وبدون وساطة الداعية الدجاجى اللطيف!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف