الوفد
د. مصطفى عبد الرازق
تأملات .. ازدهار الحياة الحزبية.. وإرادة الديمقراطية
المتابع لمشهد الحياة الحزبية فى مصر لابد أن يصاب بالدهشة من بعض التحولات التى تجرى وتشير إلى صعود قوى جديدة واندثار أخرى قديمة دون منطق يستطيع العقل أن يتقبله بسهولة. وإذا كان المبدأ الذى لا يسود أدنى قدر من الخلاف بشأنه يتمثل فى أن فوضى الأحزاب وتكاثرها ينبغى ضبطه، حيث من الصعب أن يكون فى مصر نحو مائة حزب، النسبة الكبرى منها أحزاب ورقية، إلا أن عملية الضبط تلك يجب أن تستفيد من تجارب أخرى سابقة سلبياتها أكثر من إيجابياتها، بما لا يجعلها استنساخًا لها وفى ذات الوقت تتجاوز عيوبها بما يضع مصر، كما نريد وكما يعلن الجميع، على أعتاب تحول ديمقراطى حقيقى.

أقول ذلك وفى بالى تلك المقولة التى يرددها البعض ونشرتها الهيئة العامة للاستعلامات فى سياق دراسة لها حول الحياة الحزبية فى مصر وتتمثل فى التأكيد على أن «حالة الأحزاب السياسية تعد من حيث القوة أو الضعف مؤشرًا على حالة النظام السياسى ودرجة تطوره فى أية دولة».

ولأن الكتابة فى هذا الموضوع بمثابة خوض غمار بحر متلاطم الأمواج لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا أشير إلى أننا على مستوى التجربة الحزبية لم نستطع أن نقدم عملية توازى أو تقترب من الآمال التى نبعت من ثورة يناير، بما يعنى فى التحليل الأخير أنه على هذا الصعيد يمكن القول باطمئنان أنه لا جديد تحت الشمس!

وعلى ذلك وقفزا على النتائج نؤكد أنه قد يكون من العيب، أو من غير العيب – فالحكم يتوقف حسب الزاوية التى تنظر منها للقضية–القول إن مصر على مدار تاريخها السياسى لم تشهد تجربة حزبية تحسب لها سوى تلك التى عكستها مرحلة التعددية الحزبية التى تلت ثورة 1919 واستمرت حتى عام 1952. يزيد من وطأة هذا الشعور أنه إذا كان البعض يلتمس أعذارا لتعثر المسيرة الحزبية سواء خلال حكم عبد الناصر أو السادات ومن جاء بعده، فإن ثورة يناير نثرت آمالا عراضا من المؤسف أنه بعد مرور ثمانى سنوات يبدو أننا على بعد أميال من تحقيقها. يكفى الإشارة عرضا دون تفصيل تقصر المساحة عن تقديمه إلى أن الأحزاب المصرية مثلا لم تستطع أن تقدم مرشحا رئاسيا فى الانتخابات الأخيرة وهو أمر يمثل جزءًا من صلب مهمتها فى الحياة السياسية.

المشكلة أن البحث فى أسباب تعثر تجربتنا الحزبية يحيلنا إلى مثال البيض أم الدجاجة.. أيهما أولا : هل الأحزاب لا تملك قواعد شعبية كافية، أم أن الدولة لا تساعد من خلال مجموع مواقفها وسياساتها على عدم نضوج تلك الأحزاب؟

لكن دعونا بعيدا عن محاولة تقديم الإجابة والتى لا شك ستكون مثيرة للجدل أن نقدم مثالا عمليا على ما نشهده فى الفترة الحالية والإجابة فى بطن القارئ – وليس الشاعر–هذه المرة. فما إن أعلنت القيادة السياسية عن رغبتها فى حدوث عملية دمج للأحزاب من أجل تقوية تلك الأحزاب، حتى بدت عملية هرولة نحو أحد الأحزاب الذى يتوسم الكثيرون أنه يمثل الدولة على شاكلة سلفه إن صح التعبير ائتلاف دعم مصر. وعلى ضوء ما جرى ووفقا لما أشارت إليه الأنباء فإن حزب «مستقبل وطن» الذى خرج من اللا زمان واللا مكان أصبح- حتى كتابة هذه السطور- صاحب أكبر عدد من المقاعد الحزبية بما يقرب من 210 مقاعد وهو ما يمثل 40% من مقاعد البرلمان بعد انضمام 150 نائبا مستقلا من مؤسسى جمعية «كلنا معاك من أجل مصر» وما يقرب من 10 مستقلين آخرين و50 نائبا من حزب المصريين الأحرار، فيما أن أحزابا أخرى أكثر عراقة وأحدها اسمه يملأ الآفاق ويحتفل بمئويته هذا العام، تجد مشقة فى الرهان على قيادة عملية تطوير والارتقاء بالعمل الحزبى. وما يثير الدهشة أن عملية الانتقال إلى الحزب الذى تجرى عملية تأهيله وإعداده بما يجعله يحوز الأغلبية فى البرلمان تجرى فى تغاضٍ تام عن عائق قانونى يتمثل فى إسقاط العضوية عن النائب حال تعديل صفته الحزبية.

وتذكرنا تلك العملية المتمثلة فى كثافة الانتقال إلى «مستقبل وطن» بالأمر ذاته الذى حدث مع ائتلاف دعم مصر فى بداية إنشائه، وبتجارب أخرى حدثت فى تجربة المنابر إثر إعلان السادات استئناف الحياة الحزبية عام 1976، وهو ما قد يجعلنا نصل إلى نتيجة مؤداها أن احتضان الدولة لحزب معين، وعلى النحو الذى يتم، وفى ذات الوقت المعوقات التى تواجهها الأحزاب بانشقاقاتها أو شقها من الداخل لن يتيح ازدهارا للحياة الحزبية وبالتبعية لن يعزز عملية التحول الديمقراطى، ما يعنى أولا وأخيرا أن مناط تحقيق المهمة الأولى إنما هو أن تسود إرادة الديمقراطية على كافة مستويات العملية السياسية وعلى رأسها من يدير تلك العملية! فذلك هو الأمر الفصل أولا وأخيرا! ودون ذلك، فإن آمال النهوض بالأحزاب لن تتجاوز أن تكون سرابا نحسبه ماءً!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف