الوفد
أمينة النقاش
على فكرة .. فى وداع الجنرال الأحمر
ربما كان «خالد محيى الدين» يصف نفسه، وهو يتذكر عند مغادرته مطار القاهرة منفياً الى سويسرا عام 1953 قول «ولى الدين يكن»: مساكين أنصار الحرية، يدافعون عنها، فيفقدون هم حريتهم، وكان خالد قد اختلف مع مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، بعد نحو عام من اندلاعها، وقام جوهر الخلاف حول الشعار الذى رفعه جمال عبدالناصر آنئذ، وهو: إما الثورة أو الديمقراطية وكان محيى الدين يظن أن سياسة وضع تناقض بين الثورة والديمقراطية خاطئة، ويعتقد أن الطريق الصائب هو الحفاظ على الثورة، عبر مسار ديمقراطى يطبق الهدفين معاً، بإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية!، تتيح تكوين الأحزاب وتعد لانتخاب برلمان جيد وتبقى لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة، طبقاً لدستور 1954 الذى حدد نظام الحكم بجمهورية برلمانية، تفصل بين السلطات، وتجعل الأمة مصدرها الرئيسى وهى الأزمة التى انتهت بنفيه، وبإلقاء دستور 54 كما قال الفقيه الدستورى وحيد رأفت فى صندوق القمامة، وفى هذه الأزمة فتحت الصحف نيران هجومها على خالد، ووصفه السادات فى غمار هذه الحملة بالصاغ الأحمر.

حين احتدم الخلاف قدم خالد استقالته من المجلس وقرر عدم العودة الى الجيش وآنذاك استدعاه عبدالناصر، وعبر له عن رفضه أن يبقى داخل مصر بعد قبول استقالته وقال له نصاً كما كتب فى مذكراته:

اسمع يا خالد، احنا أصدقاء، لكن المصلحة العامة حاجة تانية، وأنت عارف إنك زى العسل، سوف يتجمع حولك كل الذباب، وتبقى مشكلة، نتصادم، وأنا لا أحب أبداً أن أتصادم معك، وأنا أفضل أن تسافر للخارج.. ولأنه كان نفياً ولم يكن سفراً، فقد تم اختيار سويسرا ليعيش فيها منفياً لنحو ثلاث سنوات، قبل أن يعود الى مصر ليؤسس صحيفة «المساء» اليسارية.

وبعد غياب ناصر عن الساحة السياسية سمح العهد الجديد بمجال لا سقف له للانتقام من تجربته الرائدة كأحد أبرز قادة حركة التحرر الوطنى فى العالم لتصفية حسابات الخصوم، والأعداء معه ومعها، ظن كثيرون انه فى عالم الصراع على السلطة تتوارى المشاعر وتسقط العواطف وتنهار الصداقات الحميمة، وتخبو المودات، لكن من راهن على أن يكون الأمر كذلك مع خالد محيى الدين، لم يكن يعرفه فحين بات مسموحاً بتشكيل الاحزاب، تزعم الدعوة مع فريق من قادة اليسار المصرى من مختلف التيارات لتشكيل حزب التجمع الذى انطوى برنامجه التأسيسى على مبادئ ثورة يوليو وضم فى صفوفه الناصريين والقوميين والدينيين المستنيرين وفصائل متعددة من اليسار وهى صيغة فريدة فى العمل الحزبى والسياسى لعبت شخصية محيى الدين المتفردة الدور الرئيسى ـ بجانب عوامل أخرى ـ فى نجاحها واستمرارها.

وحين قرر خالد محيى الدين أن ينشر مذكراته، كان ذلك فى عام 1992 واختار لها عنوان «والآن أتكلم» وهو عنوان يقول من بين ما يقول انه يدلى بشهادته عن الثورة التى شارك فى قيامها، وكان احد الخمسة الذين أسسوا تنظيم الضباط الأحرار، ليقدم الحقيقة كما عاصرها ويستكمل جوانبها بعد أن هدأت العواصف وبعدت المسافات، لا سيما وهو بطل لمعركة الدفاع عن الديمقراطية، وفى هذه المعركة لم يستخدم السلاح لإنهائها بل احتكم للحوار، وجسارة التمسك بمبدأ أن بعث الحياة النيابية، وعودة الديمقراطية والافراج عن المعتقلين السياسيين من شأنه أن يكرس المكانة السياسية لثوار يوليو وأن يرتبط بالمصالح الحقيقية للشعب والوطن، كانت تلك المعركة كما وصفها فى كتاب مسألة حيوية لمصر ويستحق الانسان أن يضحى من أجلها بالمنصب مهما كان رفيعاً، وبالتالى مهما كان كبيراً، ولهذا حاز خالد محيى الدين حياً وميتاً حب الشعب والوطن لما قدمه لهما من تضحيات.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف