الجمهورية
جلاء جاب اللة
قطوف رمضانية "2
للامام محمد الغزالي رحمه الله مقوله رائعة يقول فيها "ان المناخ الاجتماعي لأمتنا لا تولد فيه الرذيلة حية تسعي.. بل تولد ميتة.. واذا بقيت فيها آثار حياة تركت حتي تموت مكانها.. ومن ثم وجب علي من اقترف إثما ان يكتمه ويستنكره ويتخلص من آثاره بالندم وسرعة المتاب".
ويقول أيضا رحمه الله ان رياح التقوي تهب باستمرار علي دار الاسلام.. وبين الحين والحين ينطلق صوت ندي يقول "الله أكبر".. فهل خجل المذنب من آذان الفجر ثم نهض إلي مالك يوم الدين يقول له "إياك نعبد وإياك نستعين" بدل ان يفضح نفسه ويكشف سوءته؟
وحكي الامام الغزالي ما ذكره "الرافعي".. في "حي القلم" حيث ينطلق قريباً منهما يصب عليهما فيضا من الماء البارد فتراجعا عما كانا فيه وعاد إليهما رشدهما..!!
وهذه القصة التي ذكرها الرافعي جعلتني اسأل سؤالا محدداً وهو: اذا كانت الشياطين في رمضان مصفدة فلماذا كل هذه الاخطاء والخطايا التي نراها؟
ومن وراء هذه الجرائم البشرية أو حتي الاخطاء الصغيرة أو اللمم؟
رمضان شهر الخير والبركات.. كلنا نريد الخير والحب والعمل الصالح ونسعي إليه سعيا.. فمن أين تأتي الشياطين في هذا الشهر الكريم؟
انها شياطين الانس تسعي بيننا في هذه الايام تقوم مقام شياطين الجن.. بل أحيانا تفوقها لأنها قد تكون بيننا ولانعرفها وقد تأتي بالشر من أبواب الخير.. ومن خلال النصيحة..!!
في رمضان وبرغم أن أبواب الخير مفتوحة علي مصراعيها بل وان رياح العمل الصالح والخير والتقوي تهب علينا من كل اتجاه.. إلا ان للشر رجالا لهم أياد وأرجل يسرون بيننا ويسيئون إلينا ونحن نحسبهم عكس ذلك!!
الأخطر عندما يقولون الخطأ الجسيم وهم يظنون أنه الصواب.. ويفعلون الجريمة وهم قانعون بأنها الخير.. وينشرون ذلك بقناعات غريبة وبراهين لم يفهموا حقيقتها.. وكل ذلك ناتج عن تصدي عديمي الخبرة والعلم للقضايا المهمة.
مثال ذلك تأويلهم لقول الله سبحانه وتعالي "افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقوله سبحانه وتعالي "اعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" ويعتمدون علي ذلك في أن العمل الصالح مهما كثر ومهما كان صادقا.. فإن الله قد يغير حال العبد إلي الأسوأ فتسوء آخرته.
ويعتمدون في ذلك علي أحاديث تكون بثورة أو لم يفهموا معناها الحقيقي ويقولون: لماذا نجتهد في العبادة وقد يمكر الله بنا وبلا سبب وبدون تقليل فالله وحده القادر وهو وحده يفعل ما يريد وهو سبحانه يفعل بمشيئته المجردة.. لا لشئ ولا بشئ.. انما يقول للأمر كن فيكون!!!
وهم بذلك إذا أوهم أحد بالطاعة والعمل الصالح وان يهجروا لذاتهم وخطاياهم وينتهوا عن الشر قالوا ومن يدريك لعل الله يجعل للعاصي نهاية سعيدة ويدخله الجنة فهو القادر علي كل شئ.. ومن يدريك لعل المحسن والمتقي تكون نهايته في النهار بعمل واحد!!
إنهم بذلك كما يقول الامام ابن القيم كالتلميذ الذي تعلم منذ صغره ان استاذه قد يمتحنه ويمنحه أعلي الدرجات حتي لو لم يجب علي سؤال واحد.. وقد يرفض قراءة اجابات المجتهد ولايمنحه الا درجات..!!
أو كالملك الذي يحكم مدينة فيعن فيها وزراءه في ارباب السجون والمجرمين.. أما المجتهدون الانقياء فلا مكان لهم في مناصب القيادة.
ويقول ابن القيم.. حاشا لله أن يعقل ذلك.. لان الله يحاسب العبد علي عمله وعلي طاعته وعلي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بل انه يحاسب علي النوايا.. فكيف يكون هذا هو شأنه.. ولماذا يتناسون ان الله لا يظلم أحدا وان الله أرسل الرسل والانبياء ليكونوا شهداء وعلينا وليحاسبنا بطاعتنا أو عدم الطاعة..!!
ان الله سبحانه وتعالي حدد لنا طريق الصواب وهو الصراط المستقيم.. وحدد كل مواصفاته وحدوده فمتي سار عليه وصل الي النجاة والجنة.. ومن يضل الطريق فهو إما ان يغفر الله له ويرحمه ويتوب عليه.. واما أن يعذبه الله بأعماله السيئة أما الذين لم ضل سعيهم في الحياة الدنيا ولايحسنون صنعا فهم الذين لاتوزن أعمالهم أساسا لأنهم بلا عقيدة والذين لم يؤمنوا بالله ايمانا صادقا توزن أعمالهم مهما فعلوا لأن الاساس غير موجود..!!
فالايمان في القلب ولكن الاسلام أعمال في الظاهر وكل اسلام ظاهر لاينفذ صاحبه منه الي حقيقة الايمان الباطنة فليس بنافع حتي يكون معه شئ من الايمان الباطن.. وكل حقيقة باطنه لايقوم صاحبها بشرائع الاسلام الظاهرة لاتنفع مهما كان وكما يقول ابن القيم "لو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار كما انه لو قام بظواهر الاسلام وليس في باطنه حقيقة الايمان لم ينجه ذلك من النار.
في رمضان أيضا قضية خطيرة يعيشها بعض الشباب وهي ان بعضهم يخطئ وهو يعرف أنه مخطئ ويخالف الشرع وهو يعرف ذلك لكنه يقول: سأتوب والله يقبل التوبه وهو الغفور الرحيم وما يقوله حق فالله يحب التوابين وهو الغفور الرحيم ولكن: هل علم أحد متي ستكون نهاية وكيف وأين؟ هل توقع أحد متي سيتوب وكيف؟ وهل سيحقق شروط التوبه ليقبلها الله منه؟
يقول سبحانه وتعالي: "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات" ويقول سبحانه وتعالي أيضا فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدني ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا علي الله الا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون افلا تعقلون" أي انهم يأخذون العرض الأدني مع علمهم بتحريمه عليهم وقالوا: سيغفر لنا وان عرض لهم عرض آخر أخذوه فهم مصرون علي ذلك وهو الذي يحملهم علي أن يقولوا علي الله غير الحق فيقولون هذا حكم الله وهذا شرع الله وهذا دين الله وهم يعلمون ان دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك أولا يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه؟ فهم يقولون علي الله مالا يعلمون تاره.. وتارة: اخري يقولون علي الله ما يعلمون بطلانه لذلك حذر أهل السلف من فتنة العالم الفاجر كما حذروا من فتنة العابد الجاهل فكلاهما أسوأ من الآخر.. فالعالم الذي يعلم العلم ثم يضجر وهو يعلم.. مثل العابد الذي يرفض العلم ويظن انه بجهله أفضل!!
شريعة الاسلام وسطية تهدف الي سعادة البشر في الدنيا والآخرة.. وقد سعد من عمل بها ولها وكان مقصوده هو الله.. وكل عام وأنتم بخير.
همس الروح
** يارب ..
اينما كان الهدي فاجعله طريقنا.. وأينما كان الرضا فاجعله رفيقنا.. وأينما كانت السعادة فاجعلها في قلوبنا.
يارب
اغسل قلوبنا من أوجاعها وارزقنا من فيض كرمك سعادة لاتنقطع واشرح صدورنا ويسر أمورنا وتب علينا يارب.
ياخير من سئل واكرم من اعطي.. يا حي ياقيوم اللهم آمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف