صباح الخير
عبير صلاح الدين
عن موسم التبرعات.. ومعنى الفقر
كلمة رئيس جمعية الأورمان التى قالها أمام رئيس الجمهورية الأربعاء الماضى، دفعت عددًا من مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، إلى إطلاق حملة لوقف التبرع للأورمان، متسائلين عن مصير التبرعات التى تجمعها الجمعية، «ليه بتلم تبرعات مادام مافيش حد فقير، طيب بتاخد التبرعات لمين، وتقول لنا..اكفل قرية فقيرة.....».
فى المقابل حاولت بعض الأقلام والمواقع الإلكترونية الدفاع عن ممدوح شعبان رئيس الجمعية، وتفسير مقصده بأن «فيه زيادة فى تبرعات المصريين، وأن تكاتف المواطنين يجعل الفقير لا يشعر بفقره».

وبعيدًا عن رأى الفريقين، طرحت كلمة اللواء ممدوح شعبان سؤالاً ربما يتجدد سنويّا خلال موسم جمع التبرعات «شهر رمضان»، وهو هل توجد رقابة دقيقة - رسمية وشعبية - على جمع التبرعات، وهل هناك منظومة علمية لإدارتها ومتابعتها وتقييمها، ودراسة لأثر أو دور الجمعيات الأهلية فى الحد من الفقر؟
خلال مناقشات مؤتمر الشباب الخامس الأربعاء الماضى، وقف رئيس جمعية الأورمان، ليقول أمام الرئيس السيسى «فى نهاية 2018 مش هيكون فيه حد فقير، مافيش حد هيعيش تحت سقف من الخوص والكل هيكون عنده وصلة ميه،.....وخير رمضان للرُّكَب..رز وسكر وزيت وسمنة..من بيت مصرى لبيت مصرى....، التبرعات زادت خلال الثلاث سنين اللى فاتت من المصريين ورجال الأعمال والمؤسسات، كانت ميزانيتنا 300 مليون جنيه من 3 سنين، وصلت فى 2017 إلى مليار جنيه، كنا بنعمل مشروعات لـ12 ألف أسرة، دلوقت بنعمل مشروعات لـ83 ألف أسرة...بقول لحضرتك دايمًا وحضرتك بتخالفنى..مافيش حد فى مصر فقير».
قالت لى صديقتى التى تعمل بوزارة التضامن الإجتماعى، إن جزءًا كبيرًا من تبرعات المصريين للجمعيات الأهلية لا أحد يعلم عنه شيئًا، وهو كبير بالمناسبة.
قصدت صديقتى الجزء الذى يجمع عن غير طريق البنوك والأوراق الرسمية، كأن يتصل بالجمعية شخص ويطلب منهم الحضور لأخذ ورق أو ملابس أو أثاث، ولا يعرف إلى أين تذهب هذه الأشياء، وهل تباع وبكم تباع بالضبط وهل يوضع كل عائدها بالكامل، ضمن ميزانية الجمعية أم لا؟.
وقالت خبير بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- فضلت عدم ذكر اسمها: نحتاج لدراسات لتقييم أثر الجمعيات الأهلية على استهداف الأسر الأولى بالرعاية، الذى لا ينكر، لكن هناك أسر «تحترف» الحصول على تبرعات ومساعدات من أكثر من جمعية، وأسر أخرى لا تستطيع الوصول.
صافرة التجريس
من واقع خبرته فى قيادة وزارة التضامن الاجتماعى، التى تشرف على عمل الجمعيات الأهلية، يؤكد الوزير السابق جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن آلية الرقابة على أموال التبرعات، تتم بطريقة «بيروقراطية جدّا وتستيف أوراق، مثلما تأتى بعض الشركات بمحاسب شاطر لتستيف الأوراق، تأتى الجمعيات بمحاسبين شاطرين، تخليهم يظهروا إنهم يستحقوا الصدقة».
يقصد د.جودة التبرعات التى تأتى من داخل مصر للجمعيات الأهلية أوالمجتمع المدنى «لكن التبرعات التى تأتى من الخارج، أصبحت تراقب من قبل البنك المركزى، وجهات أخرى إلى جانب وزارة التضامن» بحسب الوزير.
شعر د.جودة خلال متابعته لمؤتمر الشباب الخامس، أن ما قاله رئيس جمعية الأورمان، «كلام مستفز جدّا، ومن قبيل النفاق السياسى، فى الوقت الذى تعلن فيه جمعيته عن ضرورة التبرع للفقراء» ويلفت أستاذ الاقتصاد إلى أن قدرات موظفى وزارة التضامن على مراقبة ومتابعة تلك الأموال «محدودة».
فى المقابل فإن تجربة بريطانيا التى اقترب منها د.جودة فى متابعة أموال وأعمال المجتمع المدنى، تقوم على أن المدير أو المسئول التنفيذى يوقع على تعهد بأنه على علم ومطلع على كل القواعد التنظيمية لعمل الجمعية وملتزم بها، فإذا رأت المسئولة عن متابعة هذه الجمعيات «ولها رتبة ملكية» أنه غير ملتزم بتلك القواعد، تحاصر الجمعية لسوء سمعتها.
«مطلق الصافرة» باللغة الإنجليزية، هو أى مواطن أو صحفى أو مراقب، يرى أى تصرف خاطئ من قبل جمعية، فيعلنه أمام الجميع بكل الوسائل، مثل فكرة «التجريس» فتصبح جمعية سيئة السمعة، فلا تتعامل معها البنوك، ولا تأتيها التبرعات ويحاصر نشاطها تلقائيّا من قبل الشعب.
فى الدول المتقدمة لكل نوع من التبرعات جهة معينة تقبله، وتسجل كل ما يدخل إليها، ويطرح للبيع للفقراء، وكل الخطوات تحت المجهر العام، «هنا لا أحد يعرف على وجه الدقة حجم التبرعات التى تصل إلى جمعية من الجمعيات الكبرى، التى تعلن عن تلقى التبرعات، كما أن متابعة أنشطتها والإشراف عليها بها خلل».
يقارن د. جودة: «هنا لو حدثت مشكلة فى أى جمعية، توجه الاتهامات إلى وزارة التضامن، على أساس أنها الجهة المشرفة، إلى جانب الضغوط التى تمارس على المسئول، لغض البصر عن خطأ شخص، إذا كان ينتمى لكيان معين، وهو ما لم أرضخ له خلال عملى، لكن فى النهاية السياق العام- الثقافى والمجتمعى- لموضوع التبرعات يجعل شوكة القانون فى الدول النامية أقل منها فى الدول المتقدمة.
أبعاد الفقر
فى يونيو 2016 أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فى دراسته عن «الدخل والإنفاق والاستهلاك فى مصر» أن 27.8 % من السكان فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره.
وتوضح الأرقام أن 57 % من سكان ريف الوجه القبلى فقراء مقابل 19.7 % من ريف الوجه البحرى وأن نسبة الفقراء وصلت إلى أعلى مستوياتها فى سوهاج وأسيوط بنسبة 66 %، تليهما قنا بنسبة 58 %، وأقل نسبة للفقراء فى محافظة بورسعيد بنسبة 6.7 %، تليها الإسكندرية 11.6 %، وأن 18 % من سكان القاهرة من الفقراء.
«البعض يرى أن القضاء على الفقر معناه إن مافيش حد بيبات جعان، لكن الفقر له أبعاد أخرى معروفة علميّا، الفقر يشمل عدم الحصول على الحق فى التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعى». تؤكد وزيرة السكان السابقة د.هالة يوسف، أن الفقر لم ينته وأن الحكومة تعترف به فى أرقامها الرسمية.
تشير هالة إلى دراسة الدخل والإنفاق التى يجريها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، كل عامين وأنها معلنة وفق المعايير العالمية لتعريف الفقر، وخط الفقر.
تتفق د.هالة على أهمية التكافل الاجتماعى، فى الحد من الفقر والقضاء عليه، لكن تؤكد أهمية الاستفادة من التجارب العالمية فى المراقبة والمتابعة وإعادة التخطيط فى الاتجاه السليم، للعمل الاجتماعى والأهلى، وفى تقييم جودة الخدمات التى يقدمها للأسر الأولى بالرعاية.
وتضرب د.هالة المثَل بأهمية وجود هيئة متخصصة لمراقبة جودة الخدمة فى مستشفيات القطاع الأهلى، وتقييم عملها وإدارتها، ونسبة ما تلبيه من احتياجات السكان من الرعاية الصحية، والدور الذى يمكن أن تقدمه ضمن منظومة التأمين الصحى الجديدة، فالعبرة ليست فقط فى التبرع ببناء المستشفيات وتجهيزها. •

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف