الأهرام
محمد شومان
إنقاذ صناعة التليفزيون فى مصر
فى عدة مناسبات سُئلتُ عن أسباب أزمة صناعة التليفزيون فى مصر، سواء الخاص أو العام.. وكان السؤال الأكثر إلحاحًا هو: لماذا تتغير هياكل الملكية فى القنوات التليفزيونية الخاصة؟، ولماذا لا تهدأ التغيرات فى قيادات هذه القنوات، حتى إنها طالت أخيرا عددا من نجوم التوك شو؟.

بداية كنت أقول إنه ليس لدينا رؤية للنظام الإعلامى وأهدافه، وعلاقته بالنظام السياسي، كما أننا نواجه أزمة حادة.. مظاهرها ونتائجها معروفة، لكن لا أحد لديه إجابة محددة أو تفسير لما يجري، فالمعلومات شحيحة، لذلك فالشائعات والتكهنات تهيمن على المشهد الإعلامي. على أى حال يمكن القول إن أى تغيير فى هيكل الملكية لأى قناة يتبعه بشكل منطقى تغيير فى القيادات والأشخاص المسئولين عن إدارة القناة، وتنفيذ السياسات التحريرية وخطط العمل، فالملاك الجدد من حقهم أن يختاروا أفرادًا أكثر قربًا أو فهمًا لسياستهم. لكن يبدو أنه لا توجد خطط أو سياسات إعلامية، لأن وتيرة التغيير السريع والمضامين التى تقدمها أغلب القنوات الخاصة لا تشير إلى وجود خطط أو سياسة تحريرية، فيما عدا الاتفاق على دعم الدولة المصرية ورفع شعارات الحرب على الإرهاب. لكن تنفيذ هذه الأهداف صادف عقبات ومشكلات كثيرة.

من هنا شاهدنا بعض البرامج التى لا تستوعب حقائق المعركة ضد الإرهاب، وتقدم أخبارًا مزيفة وتنشر شائعات، وتقدم تغطيات إعلامية غير مسئولة أدى بعضها لمشكلات وأزمات. وظهرت برامج أخرى تؤيد الحكومة، لكن على طريقة الدب الذى قتل صاحبه!!، كما انتشرت بعض البرامج التى تبحث عن السبق ورفع معدلات المشاهدة بأى طريقة وبأى ثمن، لذلك ركزت على الفضائح ونشر الجهل والخرافة. والواقع أن أغلبية الجمهور إضافة إلى الحكومة غير راضين عن أداء أغلب القنوات الخاصة، لذلك فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو لماذا تقوم بعض الشركات والأفراد بشراء وإدارة بعض هذه القنوات؟، ولماذا تنفق الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر على قنوات غير قادرة على تفهم طبيعة المرحلة وتقديم إعلام ملتزم بدوره التنموى ومسئوليته الاجتماعية؟.

قد يجيب البعض بأن القنوات الخاصة هى التى تحظى بأعلى نسب ومعدلات مشاهدة، خاصة بعد أن تراجعت قنوات ماسبيرو لأسباب كثيرة، منها ضعف تمويل الدولة لها، وهجرة كثير من عناصر ماسبيرو إلى القنوات الخاصة والأجنبية، ولذلك لابد أن تحافظ الحكومة على استمرارية بعض تلك القنوات التى حققت حضورًا جماهيريًا فى سنوات ما بعد الثورة، وأصبح لها اسم بين الناس. لكن هذا كلام يحتاج إلى مراجعة ونقاش جاد، حيث إن أغلب هذه القنوات لا تقوم بدورها التنموى المرغوب فيه، كما لا توجد مسوح لآراء الجمهور، علمية ودقيقة، تفيد بأن هذه القنوات مؤثرة، أو أنها ذات مصداقية بين الناس، لاسيما وأن قطاعات واسعة من المصريين توقفوا عن مشاهدة القنوات المصرية، سواء العامة أو الخاصة، وأصبحوا يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعى وبعض القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية.

أعتقد أن الحكومة ودافعى الضرائب هم الأكثر تضررًا من أداء أغلب القنوات الخاصة والعامة، لأن الحكومة تنفق على ماسبيرو وبعض القنوات الخاصة ما يفوق ما كانت تنفقه قبل عدة سنوات، بكلمات أخرى كانت الحكومة قبل الثورة تنفق على ماسبيرو والصحف القومية فقط، لكنها الآن أصبحت تنفق على بعض القنوات، إضافة إلى ماسبيرو والصحافة القومية!!، وعلى الرغم من هذا التوسع فى الإنفاق فإن المردود المعنوى والسياسى والإخبارى والترفيهى ضعيف، ولا يتناسب مع ما يتم إنفاقه.

من هنا أدعو الحكومة إلى مراجعة ما تنفقه على صناعة التليفزيون مقارنة بالمردود والعائد التنموى والسياسي، ووضع رؤية وإستراتيجية شاملة للإعلام. ولاشك أن صياغة تلك الرؤية تتطلب حوارًا مجتمعيًا يشارك فيه الإعلاميون والصحفيون والرأى العام، لأن الإعلام ليس شأنًا خاصًا بالإعلاميين وحدهم، وإنما هو مسألة وطنية وأداة رئيسية من أدوات المجتمع والدولة لبناء الوعى والقيم والأخلاق، وتحقيق التوافق العام حول الأهداف الوطنية العليا فى القضاء على الإرهاب وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.

فى هذا السياق أقترح تركيز الدعم الحكومى على ماسبيرو وتقليص الدعم للقنوات الخاصة، أو إغلاق بعضها، مع الاستفادة من كل الخبرات والكوادر البشرية فى القنوات الخاصة فى تطوير ماسبيرو، مع العلم بأن معظم العاملين فى القنوات الخاصة هم من أبناء ماسبيرو. واقتناعى أن تطوير ماسبيرو والنهوض به ليس مهمة مستحيلة، وربما يكون أسهل وأسرع من استحداث قنوات، أو دعم قنوات أثبتت التجارب أنها لم تنجح فى تحقيق أهدافها، رغم كثرة ما أنفق عليها، وكانت فى كثير من الأزمات أقل مهنية وصدقية من قنوات ماسبيرو.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف