المصرى اليوم
أحمد الصاوى
اُكتب كما يُملى عليك محمد فاضل
لا توجد مهمة لدى الكاتب أهم من التفكير، لكن إذا كان مطلوباً من الكاتب أن يكتب مثل الملايين المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، يعبر عن انحيازات ضيقة أو غضب وقتى أو مجاراة لموجة أو مشاركة فى تريند فما قيمة التفكير وما قيمة الكتابة؟!.
وما قيمة من يعتبرون أنفسهم مثقفين ومبدعين ومؤمنين بحرية الرأى إن كانت حرية الرأى من وجهة نظرهم أن تكتب رأيهم هم وليس رأيك أنت، وتؤيد ما يفكرون فيه وليس ما تفكر أنت؟.

فى المقال الماضى كتبت مقالاً واضح الفكرة تماماً لكل من يجيد القراءة، والحقيقة أن بإحصاءات رسمية من يجيدون القراءة فعلاً أقل مما نتوقع، وبمتابعة فمن يجيدونها بين نخب كثيرة أقل بكثير جداً أيضاً مما نتوقع.

على خلفية ما أثير عن قضية فضل شاكر وغنائه تتراً لمسلسل، تعاملت مع المسألة من زاوية مختلفة باعتبارها تصب فى اتجاهين يدعمان ملف محاربة الإرهاب، الذى أزعم أننى أكتب طوال أكثر من 15 عاماً مكافحاً لها من جوانب مختلفة، سواء فى دعم المواطنة وحماية التنوع أو مكافحة التطرف ومنهجه وفهمه والجرائم المترتبة عليه.

هنا القضية والشرح مرة أخرى يتلخص فى محورين (محاربة الإرهابيين كأفراد وجماعات) عبر ملاحقتهم ومحاربتهم وقتلهم وسجنهم كلما أمكن)، والمحور الثانى (محاربة فكرة الإرهاب وكل فهم مرتبط بها ويدعمها).. وفى مسألة فضل شاكر طلبت فى المحور الأول أن يؤدى حق مجتمعه وأن يخضع للقضاء اللبنانى وحكمه ـ إن كان صادقاً فى تراجعه عن فكرة التطرف.. وفى الوقت نفسه اعتبار أن عودته للغناء تصب فى قلب المحور، والثانى وهو محاربة فكرة الإرهاب وخلخلتها فى عقول كل من سبق وفتنهم فضل شاكر وغيره وأقنعهم بحرمة الفنون والحياة برد عملى وكأنه المصل الذى نأخذه من المرض لمكافحته.

هل يجوز لمن أدين بالإرهاب أن يغنى؟

والإجابة واضحة من وجهة نظرى التى لا أفرضها على أحد..

نعم وهذه مصلحة كبرى فى مكافحة الإرهاب، لكن دون إغفال أداء عقوبته وامتثاله لأحكام القضاء فيما يخص ما ارتكبه فترة تطرفه.

هذا ملخص واضح لرأى شخصى يعبر عن فكرة دقيقة يكتبها كاتب مهتم بهذه القضية ولديه فيها أرشيف طويل جداً لا يمكن أن يجد فيه أحدا مهما اجتهد فى التربص ما يفيد بدعم خطاب التطرف ولا جماعاته ولا عناصره، والعكس تماماً هو الصحيح والأصح.

كنت أعتقد أن المثقفين والمبدعين على عكس جمهور التواصل الاجتماعى أكثر استعداداً باعتبارهم مثقفين لمناقشة الأفكار والرد على الأفكار كونها أفكاراً بعيداً عن ربط ما لا يمكن ربطه وتأويل ما يصعب تأويله وخلط كل ما يتيسر خلطه حتى يبتعد هذا النقاش تماماً عن أى أفكار وينصب على الشخوص وعلاقاتهم وغير ذلك.

من هؤلاء المخرج المعروف محمد فاضل، الذى فوجئت به خلال نقاش تليفزيونى لا يكتفى بإبداء اعتراض على ما كتبت- ومن حقه الاعتراض قطعاً- وإنما يغادر الفكرة المطروحة فى المقال إلى حديث عن مؤامرة كونية كبرى تهدف لإعادة دمج الإخوان وأحاديث المصالحة، ويخرج منها إلى الربط بين ما كتبت وبين رئاستى لتحرير صحيفة «صوت الأزهر»، ثم يعتذر على الهواء عن حوار أجرته معه هذه الصحيفة لتمنحه حق طرح وجهة نظره كاملة دون انتقاص فى قضية معايير لجنة الدراما التى يتهمها المبدعون بأنها رقابة لا تنتصر لحقهم وحريتهم فى الإبداع.

يعرف القاصى والدانى أنى أكتب فى هذه الصحيفة وغيرها منذ أكثر من 15 عاماً، بينما أعمل فى صحيفة «صوت الأزهر» منذ أشهر، وما أكتبه فى مقالاتى الشخصية التى تحمل رأيى الذى ليس بالضرورة أبداً رأى الأزهر وهذا منطق مفهوم لأى مثقف حقيقى.

لكن فيما يخص ما أنتجه فى الجريدة من محتوى يعبر عن سياسات الأزهر وإمامه الأكبر فهو يصب كذلك فى مكافحة الإرهاب ومحاصرة أفكاره، سواء بدعم التنوع والتعايش والمواطنة أو تفكيك الأفكار المتطرفة ذاتها ومفاهيمها، وهو ما جعل صحيفة تصدر بلسان الأزهر تخرج محتفية فى عدد خاص بميلاد المسيح بمناسبة أعياد الميلاد، أو تخرج فى أحد أعدادها معنونة بمانشيت «دم القبطى مش رخيص»، اعتراضاً على محاولة البعض الاستهانة بدماء الأقباط، أو بجولات وأحاديث الإمام الأكبر والمناهج الجديدة التى تدعم المواطنة وتنحاز للحرب على الإرهاب، وتدعم القائمين عليها.

لكن إذا كانت هذه هى طريقة نقاش وفهم مقال يطرح فكرة من مبدع مثقف عبر التركيز على شخص من يكتب وليس ما كتبه، وعلى وظائفه وليس أفكاره، فكيف يكون الشعبويون؟!.

أُذكر فقط المخرج محمد فاضل أننى التقيته فى مكتبة الإسكندرية فى منتدى لمكافحة التطرف فى قاعة كان يجلس فيها على يمينه ويساره رموز من خبراء الحركات الإسلامية الذين يملأون الشاشات ظهوراً وتحليلاً، وهم فى أصلهم كانوا أمراء لجماعات تطرف شاركوا فى ترهيب المجتمع وترويع مواطنيه واقتحام منشآته، لكن هؤلاء بفضل عقول مستنيرة نتذكر منهم «اللواء أحمد رفعت» والقدير الكبير «مكرم محمد أحمد»، رئيس المجلس الوطنى للإعلام، ربحناهم حتى بات جلوس الأستاذ فاضل بينهم لا يمثل له أى غضاضة ولا حساسية شعبوية ولا يثير لديه أى حس بالمؤامرة الكونية.

لا يمكن أن أدعو لإفلات مدان بأى جريمة من العقاب القضائى اللازم، لكن بالتوازى مع هذا المثول لحكم القضاء الذى أطالب به، أسأل العقلاء من المهتمين بمكافحة الإرهاب كفكرة ومنهج: هل خلع إرهابى رداء الإرهاب وارتدائه رداء الفن يساهم فى خلخلة الفكرة لدى المتطرفين ويفيد فى التضييق عليها؟.

الإجابة عندى واضحة.. لأنى أرى- وهذا رأيى- أن كل كلمة يكتبها ناجح إبراهيم أو نبيل نعيم أو ماهر فرغلى أو خالد الزعفرانى أو غيرهم عن الإرهاب وتفكيك أفكاره أهم ألف مرة من رطان أمراء الشعبوية وخبراء اللاشىء ومبدعى حصار الإبداع ومثقفى مكافحة حرية الرأى، وبالتالى فأغنية واحدة لأى إرهابى سابق ينتصر فيها لصوت الموسيقى على صوت الرصاص ولمعنى الحياة على ثقافة الموت.. أهم فى أثرها على مكافحة الإرهاب من كل رصيد مخرجى التوجيه الذين يريدون الدراما على مقاسهم والرأى أيضاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف