الأهرام
هشام النجار
من يقف وراء دعوات المصالحة المشبوهة؟
تستهدف المصالحة مع الإخوان المحورين الرئيسيين اللذين يمثلان عصب قوة الأمة المصرية، ولقد تم اجتياح العراق وليبيا ثم سوريا والمنطقة فى إثر ذلك من خلال هذين المسارين على الأرض؛ الأول استهداف الجيش، والثانى استهداف الزعامة والقيادة العربية.

صوب جمال حمدان أصبع الاتهام للغرب الذى سعى بتوظيف جماعات الإسلام السياسى للسيطرة على العالم الإسلامى وتسخيره لتنفيذ استراتيجيته وتحقيق أطماعه، وعندما تفشل إسرائيل فى كسر الجيشين المصرى والسورى فى يونيو 67م عندما استعادا التوازن وصنعا المعجزة فى 73م، فإن الاهتمام يتضاعف بالمتغير الذى يتيح لإسرائيل اليوم ضرب العمق السورى بالقنابل النووية التكتيكية.

عثرت الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل على من يساعدها ويسهل عليها مهمة استهداف الجيوش العربية، خاصة بعد ما عُرف بالربيع العربى؛ ومصالح هذه القوى متطابقة مع استراتيجية الإخوان الساعية لتدمير مؤسسات الدولة وتقويض الجيش، وهو الدور الذى تلعبه جماعة الإخوان بخسة ونذالة منقطعة النظير فى سوريا وليبيا.

قال مؤسس إسرائيل كرؤية لعقيدتها الأمنية «إن أمن إسرائيل يتحقق عندما تكون أقوى عسكريًا من أى تحالف عربي»، فقوتها وتماسكها مرهونان بتمزيق المجتمعات العربية وإضعاف دولها وتقسيمها إلى جيوب طائفية ودينية متصارعة، وقد ثبت لديهم أن مخططهم لا ينجح إلا بخدمات جماعة الإخوان.. نقطة الضعف المدمرة فى الجسد العربي.

يرتبط التفويض الشعبى فى البداية من قبل الرئيس السيسى بشكل مباشر برده لاحقًا على سؤال «المصالحة» المريب؛ فالتفويض صدر عن الشعب، والشعب أيضًا هو صاحب القرار النهائى فى هذا الملف المتعلق بالدفاع عن أمن مصر القومي، لكن لا أحد يقرأ فى معنى التفويض أنه ليس مجرد تحشيد مجتمعى أو تعبئة عامة للجماهير لإعلان موقف معين، إنما رسالة مفادها أن التدخل الغربى الذى يستقوى به الإخوان وأذنابهم سيواجه بتلاحم الشعب والجيش والزعامة الوطنية.

لا أفهم معنى «المصالحة» مع جماعة الإخوان بعد كل ما جرى إلا من باب محاولات الوصول لزعزعة أو اختراق هذا التماسك ثلاثى الأبعاد الذى حمى الأمة المصرية من الاستهداف والعبث الدولى والإقليمي؛ فالمصالحة تعنى إقرار وقبول مرة أخرى بتنظيمات داخل الدولة، لها علاقات وممارسات وأهداف وتحالفات خارج سياق الدولة الوطنية، ثم عودة تدريجية وإعادة تنظيم للصفوف، ومن ثم إعادة دورة حياة الجماعة من جديد فى الجسد المصرى بعد أن لفظها وكاد يشفى منها.

الجيش العراقى المتماسك الصامد وكذلك السورى ـ كان ضامناً لبقاء العراق صامداً أمام العبث الغربى ومن بعده العبث الإيرانى والتركى والقطرى وعبث جماعات الإسلام الحركى والسياسى والتنظيمات التكفيرية، ولولا بقاء الجيش المصرى متلاحمًا متماسكًا قويًا ومسيطرًا على أماكن تمركزه فى ربوع البلاد ومدافعًا عنها، لنجحوا فى خلق فوضى وانهيار مصرى على غرار الانهيار العراقى والسورى، والأسلوب المتبع من قبل الوكلاء الدوليين والإقليميين هو خلق كيانات وميليشيات موازية للمؤسسات السيادية ولأجهزة الأمن وللجيش تعمل على انهاكه فى حرب استنزاف طويلة ومستمرة حتى تضعف سيطرته ويتم حصر نفوذه فى منطقة جغرافية لا يتعدى حدودها.

فى الحالة السورية تظل «المعارضة» فى الداخل والخارج تدعى أنها «البديل الديمقراطى» للنظام الحالي، على الرغم من تحول الصراع فى سوريا إلى صراع جيواستراتيجى بين قوى دولية واقليمية توظف فيه هذه المعارضة لحساب مصالحها، مع الوضع فى الاعتبار أن الأطروحات القيمية بشأن الاصلاح السياسى والبدائل الديمقراطية قد تجاوزتها الأحداث بمجرد «تسليح الثورة» وأدلجتها بالحضور الإخوانى ثم بتلويثها وتشويهها بالطائفية والارهاب معًا وتدخل الأطراف الاقليمية والدولية.

بما يعنى أن ما يزعمون كونه «بديلًا ديمقراطيًا» فى صراع تطور بهذا الشكل مستحيل التحقق عمليًا على الأرض؛ لأن ما ينتج عن الحروب الأهلية هى تسويات بمحاصصات طائفية واثنية، فضلاً عن أن القوى الدولية نظراً لطبيعة الحالة السورية الخاصة ستعمد الى أن يكون الحل النهائى وفق تفاهمات وتقسيمات وتبادل مصالح ونفوذ بمعنى تسوية جيوإستراتيجية بين القوى الدولية والاقليمية صاحبة المصالح فى سوريا.

هذا ما تسعى لتحقيقه القوى الراعية لجماعة الإخوان فى الخارج فى الواقع المصري، وهذا هو السيناريو الوحيد لمشهد تشارك فيه تلك الجماعة، وصولًا لحالة منقسمة مفككة تتيح التدخل الخارجى وتوزيع كعكة النفوذ والهيمنة على المستعمرين الجدد.

أما الاصلاح السياسى فمجاله سلمى وطنى طويل المدى بين تيارات وطنية فاعلة تحت المظلة الوطنية بدون تدخل خارجى أو توظيف ودعم من قوى اقليمية أو دولية، والأهم أنه يبدأ ويستمر إلى ما لا نهاية بدون عنف أو إستخدام لسلاح وتنظيمات سرية، وهو ما لا يؤهل جماعات الإسلام السياسى للمشاركة فيه.

لأنها ببساطة تسعى لهدم ما هو قائم ومن ثم البدء فى بناء آخر يخص تصورا أحاديا لفئة أو تيار بعينه ولا يعبر عن التنوع المجتمعى ولا يشرك جميع أطراف المشهد ولا يحافظ على كيان الدولة ومؤسساتها السيادية وأجهزتها الأمنية والحفاظ على جيشها، وهذا هو طريق الفوضى والانهيار الذى يخطط له من يحتوون ويدعمون الإخوان ويسعون لإعادة تدويرهم وضخهم من جديد. والقضية ليست استهداف زعامة أو رئيس إنما استهداف دولة وركن من أركان القوة العربية.

صمد المصريون وأثبت الزعامة المصرية جدارتها ودقة وعمق رؤيتها، وتستعيد الدولة المصرية عافيتها ووصل الجيش والشرطة إلى المرحلة النهائية فى الحرب الميدانية على الإرهاب وداعميه ومموليه من الخارج قبل إعلان النصر النهائي، ومن الطبيعى فى وضع كهذا أن يبحث وكلاء الجماعة لها عن مخرج؛ لأن استقرار الدولة ومضيها فى مشروع التنمية ودحرها تمامًا للإرهاب من شأنه طى صفحة نقطة الضعف فى الجسد المصرى للأبد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف