المصرى اليوم
ايمن الجندى
إعجاز القرآن
ألف رحمة ونور عليك يا شيخ أبو زهرة. لقد خفق قلبى وأنا اقرأ كلامه الجميل فى كتابه (أصول الفقه). فقلت لماذا لا ألخصه وأنشر عبيره؟!.
■ ■ ■

يقول الشيخ محمد أبو زهرة: «القرآن لم يكن معجزة مادية تنتهى فور حدوثها، وإنما معجزة معنوية تتفق مع عموم الشريعة وخلودها. ذلك أن المعجزة المادية لا يراها إلا طائفة من الناس، ثم تعلم بها الأجيال التالية كخبر لم يشاهدوه بأنفسهم. أما المعجزة المعنوية فهى تحمل معها إعجازها وبرهان الرسالة إلى يوم القيامة.

فهناك أولا: بلاغة القرآن وارتفاعها إلى درجة لم تُعرف فى كلام العرب قط، جزالة فى الألفاظ، وأسلوب رائع يشتد أحيانا فيكون كالقارعة العنيفة تهز المشاعر والحواس! ثم يرق الأسلوب فى مواضع الرفق كأنه النمير العذب ينساب فى النفس انسيابا.

حتى إن قريش لفرط تأثيره فيهم لا يدرون من أى ناحية يجىء التأثير فيقولون إنه لسحر، وما هو بالسحر. ولذلك كانوا يخشون من تأثيره فيهم، فتواصوا فيما بينهم ألا يسمعوه.

■ ■ ■

وهناك أيضا إخبار القرآن بأحوال القرون السابقة، أحوال الأنبياء وأقوامهم، كل هذا جاء على لسان أمى لا يقرأ ولا يكتب ولم يجلس إلى معلم.

والوجه الثالث إخبار القرآن عن أمور مستقبلية، كانهزام الفرس بعد انهزام الرومان، وقد وقع الأمر كما أخبر القرآن الكريم. وقد عد الله المؤمنين بالنصر فى غزوة بدر فتحقق النصر. وقد وعدهم القرآن بدخول المسجد الحرام فتحقق ما وعد به، كما وعدهم باستخلافهم فى الأرض وقد تحقق ذلك الوعد الإلهى فاستولى المسلمون فى حياة النبى (ص) على كل جزيرة العرب، ثم فتحوا البلاد المجاورة بعد وفاته. وإن هذه الأخبار الصادقة على المستقبل دليل على صدق القرآن.

■ ■ ■

وهناك وجه رابع للإعجاز يفوق كل ما سبق، ألا وهو شريعة القرآن التى اشتمل عليها. ولكى يعرف المرء فضل شريعة القرآن لا بد من الموازنة بينها وبين القانون الرومانى الذى كان يعد خير منظم قانونى فى العصر القديم، فإن هذه الموازنة هى التى تبين فضل ما أنزل على هذا النبى الأمى، وبها يستدل على صدق ما جاء به.

الشريعة القرآنية ساوت بين الأجناس، فلا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، وإذا ارتكب العربى ما يعاقب عليه لم يفلت من العقاب. أما القانون الرومانى فجعل مزايا خاصة للرومان وجعل عقابهم دون عقاب غيرهم.

الشريعة القرآنية أعطت الحرية الكاملة لكل من بلغ سن الرشد لا فارق بين ذكر وأنثى، أما الشريعة الرومانية فجعلت ولاية الأب تستمر على ولده ما دام الأب حيا. والولد كالرقيق فى يد أبيه إلا أن يمنحه الأب الحرية، فهى منحة من الأب وليست حقا للابن.

الشريعة الإسلامية عاملت المدينين أرفق معاملة فإذا عجزوا عن سداد الدين سدد عنهم بيت مال الزكاة بنص القرآن، أما الشريعة الرومانية فقد كان يُسترق المدين إذا عجز عن الأداء.

الشريعة الإسلامية عاملت الرقيق أرفق معاملة وضيقت نطاق الرق ووسعت نطاق العتق واعتبرت رق الإنسان نظاما استثنائيا، لذلك لم يُنص على الرق قط فى القرآن ولم يصرح الحديث النبوى بإباحته، وإنما الذى نص عليه هو العتق.

الشريعة القرآنية جعلت للمرأة ذمة مالية مستقلة، وما كان لها عند الرومان أى حقوق».

■ ■ ■

كل ذلك، وأكثر منه ضاقت عنه مساحة المقال، نزل على قلب رجل أمى لا يقرأ ولا يكتب ولم يجلس إلى معلم. ثم بعد ذلك يسألون عن الدليل على صدقه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف