بوابة الشروق
ناجح ابراهيم
الشيخ محمد الغزالى.. مصلحاً
لم يكن الشيخ محمد الغزالى مجرد داعية أو واعظ أو خطيب، لكنه كان مصلحاً اجتماعياً فذاً، يقرأ المجتمع العربى والإسلامى ويشخّص أمراضه ويصف العلاج لها، وكان متأثراً بالمصلحين الكبار أمثال العز بن عبدالسلام وابن خلدون، والأفغانى، ورشيد رضا، ومحمد عبده.

لم يكن مثل غيره من الفقهاء همّه التعريف بالحكم الشرعى، لكنه يضع المسألة فى إطار أعم وأشمل، جاءه شاب يسأله عن حكم تارك الصلاة؟ فقال له حكمه أن تأخذه معك إلى المسجد ليُصلى.

كان يمكن أن يقول له كافر أو كفر دون كفر أو فاسق، لكنه علم أن كل هذه الأحكام قد تضر الرجلين، ولن تنفعهما فى واقع الحياة، فوصل إلى هذا الحل العبقرى.كان «الغزالى» رحمه الله، مهموماً بقضايا أمته ومشاكلها، وكان حزيناً لأنه رأى «أن الدين أصبح فى عالمنا اليوم» عملة ليس لها رصيد «مآله حتماً إلى الإفلاس والانقراض إذا لم يتدارك أهله البقية الباقية فيغيرون بها أنفسهم ليغير الله تعالى ما بهم».

وكان يدرك الأسباب، فيقول «لأننا ما زلنا نغلف بشهواتنا ونعالج أمراضنا بغير كتاب الله تعالى ونطبق «إسلاماً» توهمناه بوحى من هوانا وبعجز من إرادتنا، والحق أن الذى نحن عليه اليوم ليس إسلاماً».

وكان يؤرقه أن «العلم الدينى انحصر فى فلسفات كلامية لا تمس القلوب أو مسائل فقهية ليس لها عند الله وزن».وكان يهتف دوماً «إن تعمير الأرض جزء من رسالة الإنسان على ظهرها، وهو جزء من العبادة التى من أجلها خلق الإنسان».

وكان يكره التدين الكاذب ويردد «إن الله لم يخلق الإنسان ليشقى ويجوع ويعرى، بل خلقه مكرماً وسخر له ما فى البر والبحر، وأحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث ويسر له أسباب الزينة والجمال فى إطار شرع محدد المعالم».

وكان يحب العلوم الحديثة ويقول «إن كل علم يطوى مسافة من تخلف المسلمين هو من أركان الدين وفرائض العبادات العينية والكفائية، وهو أولى من نوافل العبادات، ومن مسائل الاختلاف التى برع فيها الفارغون واشتغل بها المتنطعون وأدمنها المتفيقهون».

وكان يحزن لفشل الدعوة الإسلامية ويعزوها إلى «وقد ترنّحت الدعوة الإسلامية، وهى تشق طريقها إلى أقطار العالم فى العصور المتأخرة والوسيطة، لأنها حملت مع تعاليم الإسلام أخلاطاً أخرى غربية على وحى الله».

وكان حزيناً على غياب العلماء الأفذاذ من ساحة المجتمع «فى غياب العلماء والفقهاء أصبح أكثر دعاة الإسلام من هذين الصنفين «الجهلة، والمشعوذين» وأكثرهم يهتم بتغليب الفروع على الأصول وطغيان الفقهيات العقلية «الفلسفات والأيديولوجيات» على فقه النفس، وحشر الإسلام فى الشعائر دون الشرائع، وفى العبادات الفردية دون التعامل الاجتماعى، وأهم من ذلك وأخطر وأنكى ظهور الحركات والجماعات والفرق والطوائف، التى تزعم كل لنفسها الصواب والسداد، وتخطّئ غيرها وربما كفرته وحاربته».

وكان يكره الاستبداد ويراه أخطر العوائق «حكام يتهارشون على الدنيا ويتقاتلون على المناصب، أجهزة الشورى صفر، العدالة الاجتماعية مضطربة، وقد تنكب بعض الأقطار بمجاعات فلا تجد الغوث».

وكان يوصى بغربلة التراث «ضرورة غربلة تراثنا الضخم ومراجعته: لأنه يدعم أمتنا ثقافياً وينجيها من مزالق كثيرة أوقعها فيها».

وكان يحذر من فساد القلب والضمير «إذا فسد القلب فسدت الحياة نفسها، وإذا انفصل المجتمع عن عقيدة الإيمان هلك ولا فائدة فى علم لا يجعل مرشده الدين، ولا خير فى عقل لا يستند إلى النقل»، وكان يردد «إن علوم الدين ليست كلاماً نظرياً فى العقائد، ولا سرداً تافهاً لأشكال الطاعات وأحكام الفروع الفقهية».

وكان يرى أن الأوروبيين لا يمتون للمسيح بصلة «إن الانتماء للمسيح شرف دونه الأوروبيون قديماً وحديثاً، إن القوم كانوا مستعمرين، غلاظ الأكباد، مقبوحى السيرة، ولا يزالون كذلك».

وكان يريد تصحيح أوضاع المرأة التى أفسدها التطرفان الإسلامى والعلمانى، فالمرأة عنده «ليست جسداً يلف فى أثوابه ويوارى خلف الستائر والأبواب، وليست كذلك «تحفة» للتسلى وإزجاء أوقات الفراغ، ولا هى بضاعة رخيصة فى أسواق النخاسة، بل هى كائن حيوى فعال ومنتج لها حرية حدّدها الله تعالى فى دستوره، وأى تحرّر آخر خارج هذا المجال هو تمرد على شرع الله، وها هى البشرية كلها تجنى ثمار هذا التمرد».ويقول «عصر النبوة كان يرص النساء صفوفاً فى المسجد، وقبلهن عوناً للجيش فى بعض المعارك».

وفى الختام كان يردد «إن الإسلام يُراد هدمه باسم الإسلام، والقائم بهذه المهمة شباب لا هم من أهل الذكر ولا من أهل الفكر».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف