المصرى اليوم
ناجح ابراهيم
الخواتيم والبدايات!
قد تجرى جلسة صلح ناجحة بين متخاصمين، وتسير الأمور على ما يرام وقرب نهاية الجلسة تتفوه بكلمة نابية أو تطلق تصريحاً مثيراً أو ��هيجاً، وحينها يعز الصلح ويتعمق الخصام، لأنك لم تحسن فن الختام، ولم تجد طريقة صحيحة لإغلاق الملف.

نهايات الأمور لا تقل أهمية عن بداياتها، وختام المقال لا يقل أهمية عن استهلاله، وإغلاق الحديث مع زوجتك أو رئيسك أو مرؤوسك قد يكون أكثر أهمية من بداية الحديث معهم، فطريقة إغلاق الحديث مع زوجتك قد تجعلها تذوب فيك حباً وتديم المودة بينكما أو تؤدى إلى النفور ثم الطلاق فالعداوة.

تأمل خواتيم الآيات ستجد أنها لا تقل أ��مية عن بداياتها. بدأ بداية بنداء رائع «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ» وتختم دائماً بأروع كلمات الحث والتذكير«إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» «فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ».

خواتيم الأمور لا تقل أهمية بل تزيد على بداياتها، قد تخطئ فى بدايات حياتك، أو عملك، أو جراحاتك أو تشخيص حالاتك أو قصائدك، أو مقالاتك لكن عليك أن تجتهد ما أمكنك لتكون الخواتيم أفضل وأحسن وأتقن وأقوى وأفيد وأنفع وأحكم.

قبل أن تغادر عملك فى كل يوم اترك أجمل بصمة، بحيث يتمنى الجميع رؤيتك بشغف فى اليوم الثانى، لا تترك عملك إلى عمل آخر إلا وقد تركت أثراً لسيرتك الطيبة وأمانتك.

عملت فى عيادتى فتاة صعيدية عدة سنوات، كانت فقيرة، لكنها كانت غاية فى الأمانة ودقة العمل والانضباط، فى المقابل عمل معى طالب بدأ يسرق من أول يوم، مكث أياماً لم يترك يوماً لم يسرق فيه من عائد العيادة البسيط من الممرضة اليتيمة التى تأمنه.

اُكتُشف بسهولة قلت له: المبلغ الذى سرقته هو أجرك عن هذه الأيام، كنت ستأخذه حلالاً ولكنك أبيت إلا أن تأخذه حراماً، كلاهما ترك بصمة مختلفة، ما زلنا جميعاً فى العيادة نريد افتداء أسرة هذه الفتاة بأى شىء فى كل محنة تمر بها أسرتها لسيرتها الطيبة.

لاعب الكرة إن لم يختر اللحظة المناسبة لاعتزاله ستطرده الأندية الكبرى بعد أن كان علماً فيها.

السياسى إن لم يقتنص اللحظة التى يودع السياسة فيها سيندم بقية عمره حينما يلعب الجميع به الكرة فى ملاعب السياسة العفنة التى لا ترحم، فأزمة مبارك كلها أن نهايته غير بدايته وأنه لم يدرك الوقت الأمثل لكى ينقل السلطة نقلاً آمنا لغيره ولو فعل ذلك لجنب البلاد والعباد مآسى سنوات.

القيادى إن لم يحسن ��ختيار اللحظة المناسبة لاستقالته وهو فى قمة مجده وعطائه سيهان ويتجاوزه الزمن.

والجماعات الإسلامية والسياسية التى لا تعرف اللحظة المناسبة لكى تحل نفسها أو تبدل مواقفها أو تعيد ترتيب أوراقها قد تدفع بأوطانها وأبنائها فى مهلكة محققة.

إننى أعتز ضمن ما أعتز به بتلك اللحظة التى استقلت فيها من الجماعة الإسلامية، لقد استقلت منها بعد انتخابات لم أحضرها وفزت فيها، ولكنى كنت عازماً على الاستقالة، لم أستقل فى حال ضعف الجماعة بل فى أوج قوتها والجميع يتودد إليها وأبناؤها خرجوا من السجون، حتى خطاب الاستقالة مازلت أعتز به حتى اليوم.

أعظم وأجمل خطب المسيح عليه السلام موعظة الجبل التى ودع فيها حوارييه وأنصاره وبثهم كامن نفسه وخلاصات دعوته ورسالته.

لحظات الوداع التى ودع الرسول بها أصحابه هى أجمل شىء فى حياته، وخطبة الوداع هى أعظم خطبة له، ألا تسمعه يشهدهم أنكم ستسألون عنى فماذا أنتم قائلون فرددوا فى بكاء «نشهد أنك بلغت الرسالة»، فرفع يده إلى السماء اللهم فاشهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف