الوفد
د. مصطفى محمود
الحرب القادمة مع إسرائيل
وسط هذا الكم الهائل من التغيرات الطارئة على العالم ومنطقة الشرق الأوسط بالذات، إلا أن فكرة الحرب ستظل هى المسيطر على فكر إسرائيل الاستراتيجى؛ وهو ما جعلها دائماً أبداً جيشاً فى شكل دولة؛ لتظل أسيرة فكر وتوجهات المؤسسة العسكرية ولن تتغير عقيدتها واستراتيجيتها العسكرية المعتمدة على التفوق النوعى على كل الدول العربية وخاصة دول الجوار. وعلى الرغم من تغيّر الخطر الذى يتهدّد «إسرائيل» حالياً، وأصبح يكمن أساساً فى التنظيمات اللادولتية Non-state organisations وحزب الله أقواها؛ إلا أن الخطر الأكبر الذى يتهدّد وجود إسرائيل، كما يرى قادتها هو احتمال أن تنجح إيران فى التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالتقدم فى عملية حصولها على القدرة النووية العسكرية. لذلك فهم يتكلمون ليل نهار عن ضرورة إعادة صياغة عقيدة إسرائيل الأمنية؛ وملاءمتها مع تحديات الواقع الراهن وأخطاره، من العولمة والثورات التكنولوجية إلى جانب الاضطرابات الإقليمية والتغيرات الجيو-سياسية فى الشرق الأوسط، وتبدّل طبيعة الحروب ونمط الأعداء، وما طرأ على المجتمع الإسرائيلى نفسه من تغيرات.
وبالتالى التخلص من مفهوم «جيش الشعب» المكوّن من قوات محترفة صغيرة العدد وقوات احتياط كبيرة؛ وخاصة مع تعرّض الجيش السورى لإنهاك شديد، وخسارة حزب الله الشرعية فى العالم العربي، والتقارب الواسع فى المصالح بين إسرائيل ودول عربية ، ومخزون الغاز الطبيعى الذى تمّ اكتشافه فى المياه الإقليمية الاقتصادية الإسرائيلية. ولكن يظل البرنامج النووى الإيرانى هو الخطر الحقيقى. ومن قبل كانت إسرائيل تعتمد على تحقيق المفاجأة للعدو من خلال اختيار زمان ومكان المعركة وسرعة تحريك القوات، وقد استمرت تلك المبادئ قائمة حتى حرب أكتوبر 1973. وبعدها طورت عقيدتها القتالية اعتماداً على الوحدات الخاصة المحمولة جواً بزيادة الدعم لسلاحها ولكن بعد حرب لبنان عام 2006 تأكدت إسرائيل من أن سلاح الجو وحده لا يحسم فدعمت القوات البرية مع التركيز على حرب العصابات. وفى الواقع أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية، أول من وضع أُسسها دافيد بن جوريون بتعزيز قوّة الردع؛ ونقل المعركة فى أقرب وقت ممكن إلى أرض العدو وإنهاؤها بسرعة واحتلال مناطق والبقاء فيها حتى تحقيق مكاسب سياسية. واستمد الجيش الإسرائيلى عقيدته القتالية من معتقدات كتابهم المقدس «التوراة» (العهد القديم) وعلى رأسها أن تكون فلسطين هى أرض الميعاد موطناً لليهود كمعتقد أساسى.
وهذه الفكرة متأصلة فى الفكر العسكرى التاريخى لليهود وهو ما يتجسد فى احتلال فلسطين. ويؤمنون أن وعد الرب فى التوراة هو أرض الميعاد، من النيل إلى الفرات. فمملكة داوود لا تقوم إلا بالدم ومصير اليهود مرتبط بقوتهم العسكرية، لذلك فإن مبدأ الدولة المسلحة هو ما تعتمد عليه الدولة العبرية فى عقيدتها العسكرية مما يجعلها تعتمد على نظام تعبئة متقدم تستطيع من خلاله تجميع قرابة نصف مليون جندى خلال ثلاثة أيام. وكما قال موشى ديان (وزير الدفاع الإسرائيلى وقت حرب أكتوبر عام 1973) إن الدفاع بالنسبة لإسرائيل كان وسيظل دائما «الهجوم على العدو فى أرضه». وعقيدة الجيش الإسرائيلى تعتمد على نوعية السلاح وليس الكم لمواجهة نقص العدد مع جهاز اتصال قوى ومعلومات استخبارية؛ وعلى ذلك تعتمد إسرائيل على رادع قوى مثل القوة النووية وتطوير تفوقها التكنولوجى وهو من بين أدوات الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية. ونتيجة للمتغيرات الكثيرة التى طرأت على المنطقة فقد عملت إسرائيل على وجود نظام للإنذار البكر على الحدود وتحديد هدف العمليات الهجومية لتكون ضربات وقائية فى ظل انتفاء هدف ضم الأراضى، وأن يكون هدف الحرب هو تدمير قوات العدو لصعوبة الاحتفاظ بتلك الأراضى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف