فيتو
محمد نوار - أبو شادوف
9 أمناء للمجلس الأعلى للثقافة.. والمحصلة صفر!
لا يزال الوضع كما هو منذ ما يقرب من نصف قرن، يأتى وزير ويذهب ولا تغيير حقيقى في فكر الدولة تجاه الثقافة ودورها الحقيقى في تغيير المجتمع، على سبيل المثال عندما بدأت فكرة بيوت الثقافة على أيدي الوزير ثروت عكاشة، كان يدرك ويعى جيدا أن الثقافة يمكن أن تغير المجتمع، وأنها يمكن أن تكون حائط الصد لكل دعوات الجهل والتخلف مهما اختلف الثوب الذي تتخفى تحته، سواء كان رداء الدين أو المال أو دعوى التمسك بقيم وعادات هي في الأصل دخيلة على مجتمعنا المصرى..

نعم المجتمع المصرى ليس صاحب حضارة آلاف السنين فقط، ولكن لأن الإنسان المصرى على مدار التاريخ استطاع أن يتفاعل مع كافة المراحل التي مر بها، من فرعونية إلى الإسلامية مرورا بالرومان والمسيحية والاستعمار التركى والإنجليزي وغيرهم من حقب كانت تحكم من غير المصريين، وكان دائما يحافظ على مصريته بدون رفض كامل للجديد، ولكنه كان يهضم كل الثقافات القادمة عليه، ويبقى الإنسان المصرى صاحب الرؤية الخاصة جدا..

وأذكر ذات لقاء مع الإعلامي الكبير شفيع شلبى أثناء عرض فيلم عن مصر والإنسان المصرى، جاء تعليق الاديب الكبير سعيد الكفراوى عليه مقترحا اسما للفيلم "الدين المصرى" مبررا هذه التسمية بأن الدين المصرى يضم الرسالات الثلاثة، وجميعها لها شخصية مختلفة عن مثيلتها في العالم، المصرى اليهودى قبل إقامة الكيان الصهيونى، المصرى المسيحى، المصرى المسلم، كلهم يختلفون عن العالم بمصريتهم، اليهود الذين تركوا مصر معظمهم لم يذهب إلى فلسطين، الكنيسة المصرية والأزهر يختلفان عن العالم، ومن هنا هناك دين نبع من الشخصية المصرية مع الاحتفاظ بمبادئ الدين!

نعود إلى الوضع الحالى الذي يسير من سيئ إلى أسوأ، وسنتحدث عن أحد من أهم قطاعات الوزارة، المجلس الأعلى للثقافة الذي عندما تم التفكير في وجوده، كان الهدف ليكون خير معين ومساعد للوزير، بل يكون هو المسئول الأول عن الثقافة المصرية، وتقديم الرؤى والأفكار المبدعة لتطوير الأداء والنشاط في كافة المجالات الثقافية..

ولكن الحقيقة أنه لم يؤد هذا الهدف من أدواره المنوط بها، ربما أكثر الفترات نشاطا مع د.جابر عصفور، الذي أمضى ربما أكثر من عشرين عاما أمينا للمجلس، ولكنه اهتم بعقد مؤتمرات كبيرة أحيانا عربية ودولية، وفى اعتقادى أنه جزء من الدور الحقيقى، ورويدا رويدا اعتبر هذا المجلس وكأنه مجرد مكان تقام فيه ندوات تنظمها اللجان المختلفة والحضور هم أنفسهم، أعضاء اللجان، والأصدقاء وأصحاب المصالح وكفى المجلس شر العمل الجاد!

للعلم في السنوات السبعة الأخيرة تولى المنصب أكثر من تسع أمناء، والطريف أن أحدهم لم يجلس على كرسيه أكثر من أيام وربما عدة أسابيع فقط، وذهب بدون معرفة الأسباب، وأحدهم تم إقالته بعد التجديد له بعدة أيام، وثالث جاء لقرابة الوزير والأخير حاليا يقود هجوما ضد مصر من أمريكا، وطبيعى لزم الفشل الجميع، والأسباب في تقديرى، أولا سوء الاختيار، وثانيا شبكة المصالح التي تحيط بالمسئول، وأيضا قصر المدة التي يجلس فيها أمينا عاما للمجلس الأعلى، والمحصلة صفر، واللجان نشاطها صفر، وإهدار مال مصر مقنن، والشعب يدفع الثمن!

منذ أيام صدر قرار بتعيين د.سعيد المصرى أمينا للمجلس الأعلى للثقافة، هنا أذكر د.سعيد المصرى بتصريحاته عندما قدم استقالته من منصب مساعد وزير الثقافة: "دوره في الوزارة كان مرتبطًا بتطوير منظومة ثقافية جديدة بالشراكة مع وزارات وهيئات حكومية وأهلية معنية بالشأن الثقافى العام. ولكن لا يوجد إرادة حقيقية في التغيير، وأن وجوده في هذه المرحلة لن يكون له معنى، حتى يتم إقرار رؤية مصر 2030، وأنه خلال المرحلة التي عمل فيها بالوزارة استطاع بمشاركة خبراء ومبدعين وقيادات داخل وزارة الثقافة وخارجها العمل على صياغة رؤية لما يعرف بالمنظومة الثقافية للدولة، كما تم إبرام اتفاقيات تعاون بشأنها مع 11 وزارة، إلى جانب بعض المجالس القومية وهيئات من المجتمع المدنى. وعند تطبيق هذه الإستراتيجية التي شارك في إعدادها كثير من خبراء العمل الثقافى".

أخيرا.. تابعت ما كتب عن الملفات التي تنتظر الأمين العام، وللأسف في تقديرى أنها ملفات ليست مهمة حتى تكون لها الأولوية، مثل عودة المؤتمرات الدولية للرواية والشعر، تأخر موعد الاحتفاء بالفائزين بجوائز الدولة، إعادة سور أزبكية المجلس الأعلى، الإعلان عن جوائز مسابقات المجلس، والأغرب أنه تم وضع مشروع ترميم متحف هدى شعراوى، وهو ليس من صميم عمل المجلس ضمن الملفات المهمة للأمين الجديد.

كل هذا لا يطور ولا يقدم جديدا، بل إنها قرارات إدارية يمكن اتخاذها وقضى الأمر، ولكن نأمل أن نرى تغييرا حقيقيا في أداء المجلس، يبدأ باقتحام مهمة اللجان وأهمية اللجان التي تضم ما يقرب من مثقف في كل المجالات ولا تقدم شيئا يذكر، التطوير يبدأ بتحديد دور المجلس في تطوير الأداء لجميع قطاعات الوزارة، التطوير الحقيقى هو التخلص من شبكة المصالح والعنكبوت الذي يسيطر على كل مكان بالمجلس، يبدأ التطوير عندما يصل حوارك مع المواطن والاستماع له، ومحاولة الارتفاع بمستواه الثقافى المعرفى، هل سيخوض الأمين الجديد معركة تجديد وتحديث حقيقية ام سيظل الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ!؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف