اليوم السابع
حنان شومان
«ليلة بكى فيها الكينج»
أظن أن أصعب كتابة قد تواجه كاتباً أو صحفياً هى حين يكتب عن نفسه وحياته، ومحمد منير أو الملك أو الكينج أو أى ما كان وصفه، الكتابة عنه هى كتابة عن نفسى وحياتى وحياة جيل كامل شكل منير وعيه ومازال، وكل أغنية هى ذكرى لحب أو قهر أو أمل أو فرحة أو حزن مررنا بها، كل حكاية بصوت منير هى حكايتى، وكل نجاح أو يأس بصوته هو صحبة العمر والأيام.

اعذرنى يا صديقى لأننى مضطرة أن أحكى عن أشياء بيننا لأننى سأحكى عن نفسى، وقفت أمام باب تسده باقات الزهور من كل لون وشكل فبدا مدخل الغرفة كحديقة غناء رغم برودة وفضاء ما يحيط بها، فطرقات أى مستشفى تشعرنى بالبرودة مهما كان الجو حاراً أو حتى خانقاً، ثم دلفت من الباب لأجده، محمد منير أبا يزيد جبريل متولى واقفاً باسماً كوجه فرعون أتى من زمن ملوك النوبة يرحب بى وهو يردد «أنا كويس متقلقيش يا حنان».

خرج المحيطون به من أسرته ومن العاملين معه وأغلقوا الباب وجلس الكنج وجلست أمامه فإذا بدموعه تنهمر من خلف زجاج نظارة شمس أخفى بها عيونه، وبدت ابتسامته أكثر شحوباً، ولم أعرف ماذا أقول أو أفعل أمام دموع الملك الذى قال لى: «قالولى دعوة المريض قبل إجراء جراحة مستجابة فدعيت لمصر قبل العملية يارب يستجيب» تنهدت لأنى تأكدت أن دموع الملك ليست حزناً ولا ضعفاً، ولكنها حلماً رومانسياً للملك الحالم لا الحائر.

لم تكن هناك كاميرات تسجل كلمة أو صورة، ولم تكن هناك شاشة تعرض إلا فى عقلى صورة للفتى الأسمر يلعب على ضفاف النيل ويغنى مع ناى يسمع صوته من بعيد، ثم يرحل الشاب عن بيئته ليأتى للقاهرة وهو مازال يغنى على صوت الناى والدف مهما ابتعدا، ويدرس الشاب السينما ولكن جنى الغناء يخطفه ويبدأ مشروعه الفنى فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، ومن ألبوم لألبوم يؤكد منير أنه الوحيد من بين أبناء جيله والأجيال التى تلته الذى ملك قرار مشروع غنائى وليس مجرد مطرب يغنى، ومع مئات الأغنيات يتحول منير لحالة فنية لا تخص جمهور دون الآخر فلا هو بمطرب طبقة ولا هو بمطرب سلطة ولا هو بمطرب فئة عمرية، لكنه مطرب الجميع الذين توجوه ملكاً وأبداً لم يخذلهم.

منير هو مطرب الـ«لايف» فوجود الجمهور أمامه ومعه يمنحه قوة المُلك، ولذا فبعد دموعه التى مسحتها أزاح نظارته، وقال لى «عاوز أغنى يا حنان عندى حفلة فى العيد حغنى فيها أغانى جديدة»، وأتى بالآى باد الخاص به ودارت الموسيقى، وبدأ منير يغنى فتحول لابن العشرين وصارت عيونه تلمع كما عرفتها منذ رأيته أول مرة، نعم منير غنى لى وكنت كل جمهوره فى تلك اللحظة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف