المصريون
محمد طرابية
مهازل " التفاوت الطبقى " فى مصر (1)
حالة من الجدل الشديد ، أثارتها موافقة مجلس النواب برئاسة الدكتور على عبد العال، على تحديد راتب الوزير فى الموازنة الجديدة، بـ42 ألف جنيه كراتب صافى بعد خصم الضرائب ، وكذلك تحديد راتب الوزير بعد المعاش ويصل لـ 33 ألف جنيه . هذه الموافقة أعادت ملف التفاوت الطبقى فى مصر والتى كنا نتوهم أن تلك الظاهرة قد أوشكت على الإختفاء بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتى كان شعارها الرئيسى " عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية " . ولذلك نتساءل : متى يتحقق حلم العدالة الإجتماعية فى مصر ؟ ومتى يختفى الشعار الذى يعبر عنه المثل الشعبى الذى يقول " الغنى غنى له والفقير ايه يعملو له " ؟ وهل وصل الغباء بالحكومة والبرلمان الى أن يقوموا هذا الأسبوع بإصدار تعديل تشريعى مثير للدهشة لبعض أحكام القانون رقم 140 لسنة 1956 بشأن إشغال الطرق العامة، والخاص بمنح تصاريح لعربات المأكولات ، والذى يلزم صاحب العربة " كبدة .. مكرونة .. فول .. الخ " بدفع رسوم قدرها 2000 ألف جنيه سنوياً مقابل التصريح بالعمل ، وهو الأمر الذى يزيد الأعباء على كاهل الفقراء الذين يأكلون على هذه العربات فى حين أن الأغنياء لا يأكلون إلا فى مطاعم وفنادق الخمس نجوم .

فى هذا السياق كشفت دراسة مهمة للغاية صدرت منذ أيام بعنوان " كيف تعمقت ظاهرة اللامساواة في الدخل والثروة في مصر؟ " والتى أعدتها الباحثة وسام محمد عن العديد من الحقائق والأرقام الخاصة بهذه القضية .

الدراسة أكدت أنه في مصر، ورغم مناداة ثورة يناير بالعدالة الاجتماعية وما يستتبعه ذلك من عدالة في توزيع الدخل والثروات والنظر فى توزيع الدخول والمطالبة بتعديل الحد الأدنى والأقصى للأجور، إلا أن الوضع لم يزد إلا سوءاً بعد أن كشف تقرير اللامساواة الصادر عن بنك كريدي سويس عن تزايد نصيب الشريحة العليا (شريحة 1% الأكثر غنى) الذي بلغ 18% من إجمالي الدخل القومي المصري، في الوقت الذي شهدت الطبقة الوسطى في مصر انخفاضًا لتصل إلى 2.9 مليون شخص بالغ من إجمالي السكان في عام 2015 بنسبة 5% من إجمالي البالغين، بعد أن كانت 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000 أي حدث تراجعًا بنسبة 48.2%، وبلغت نسبة مساهمتها نحو 25.2% من إجمالي الثروة.

وكشفت أنه يتم االتعامل مع عدم المساواة والتفاوتات الاجتماعية كنتيجة من عملية مستمرة من صنع السياسات العامة وليس مجرد مصادفة، فهناك مفارقة بين التحدث عن وجود طبقات اجتماعية وبين سياسات تسببت في تفاوتات واسعة، فمن الطبيعي أن يكون هناك خريطة طبقية في المجتمع ولكن ليس من الطبيعي أن يستحوذ 1% من المجتمع على مايقارب 25% من الثروة داخل الدولة، هنا يدعونا للتساؤل عن أسباب هذا التفاوت، وتعد عدم المساواة؛ هي نتيجة مباشرة للسياسات النيوليبرالية، التي بدأت أن تعم دول العالم التي تدعو لها سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحت وطأة برنامج الإصلاح الاقتصادي؛ الذي تسبب في اتساع التفاوت بين طبقات المجتمع.

وفي هذا السياق، فإن الفوارق الاجتماعية لها عدة مستويات لكنها لها تقاطعات أيضًا، من خلال أن تكون حسب الموقع الجغرافي و هنا نقارن بين ثروات ودخول ومستوى معيشة الوجه القبلي بالوجه البحري، وقد يكون لها علاقة النمط الاقتصادي والاجتماعي للمناطق؛ فنجد أن الريف ( الذي يمثل 57% من السكان أي ما يزيد عن نصف السكان) أشد فقرًا من الحضر في معظم أنحاء الجمهورية، حيث يتجه رجال الأعمال إلى الاستثمار في العاصمة فضلًا عن توجه إلى محافظات أخرى لعدم التهيئة بها للاستثمار، ثم نجد أن النوع الاجتماعي له علاقة بالفقر والحرمان من الموارد، فالمرأة عادة أكثر فقرًا وحرماناً من حيث الرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي فنجد أن النساء في ريف الوجه القبلي هن الأكثر معاناة في الوصول للحقوق الصحية.

وفى هذا الإطار وضعت دراسة لبنك كريدي سويس، مصر ثامن أسوأ دولة من حيث توزيع الثروة فى العالم، أنه قد ارتفع نصيب الـ 1% الأكثر ثراًء من الثروة إلى 48.5% بعد أن كانت 32.3% في بداية القرن الواحد العشرين، وبالنسبة إلى حصة شريحة الـ10% العليا ارتفعت أيضًا إلى 73.3% في عام 2014، مقابل 61% في عام 2000، وتم وضع مصر ضمن 24 دولة شهدت زيادة في ثروة الطبقة الأعلى ثراًء خلال إجمالي فترة (2000- 2015)، وذكر تقرير كريدي سويس لعام 2015؛ أن الطبقة الوسطى في مصر تبلغ نصف ما كانت عليه فى بداية القرن، وهناك سياسات تتخذها الدولة لها أثر على اللامساواة فى مصر سواء إيجابيًا أو سلبًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف