الوطن
د. محمود خليل
«التوابون».. والثأر من الشام
عبارة «يا لثارات الحسين»، ظهرت لأول مرة على لسان سليمان بن صرد، عندما انطلق يقاتل من أجل الثأر من قتلة «الحسين». كان «سليمان» ممن انحازوا إلى «على» فى موقعتى الجمل وصفين، وعاش فى الكوفة بعد اغتيال «على»، وأنكر على الحسن بن على تنازله عن حقه فى الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان ووصفه بـ«مُذل المسلمين». برز اسم «سليمان» ضمن من دعوا وألحوا على الحسين بن على ليأتيهم بالكوفة ليبايعوه على الخلافة، ولما حضر الحسين خذلوه وتركوه نهباً لسيوف بنى أمية.

يعد سليمان بن صرد من أوائل المؤسسين لتيار التشيّع. يحكى «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ» أنه لما قتل «الحسين» تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأوا أنهم قد أخطأوا خطأً كبيراً بدعائهم «الحسين» وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله، أو أن يقتلوا دون ذلك. هنالك ظهر تيار «التوابون»كواحد من أقدم التيارات الشيعية، وتبنى فكرة التوبة عن خذلان الحسين بالثأر من قاتليه. وقد عبّر سليمان بن صرد عن هذا الموقف بقوله: «إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم، نمنيهم النصر ونحثهم على القدوم، فلما قدموا ونينا وعجزنا، حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه، اتخذه الفاسقون غرضاً للنبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه. ألا انهضوا، فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا من قتله من أهل الشام، ألا لا تهابوا الموت، فما هابه أحدٌ قط إلا ذل».

أخذ سليمان بن صرد فى التجهيز للثأر للحسين، حتى اكتملت صفوفه وأدواته، فخرج فى ربيع الآخر من عام 65، فلما أتى النخيلة دار فى الناس، فلم يعجبه عددهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندى والوليد بن عصير الكنانى، فناديا فى الكوفة: يا لثارات الحسين!، فكانا أول خلق الله دعوا: يا لثارات الحسين. وبلغ «عبيد الله بن زياد» خبر خروج «سليمان»، فأرسل إليه الحصين بن نمير فى اثنى عشر ألفاً، فخرج أصحاب سليمان إليه، فحملت ميمنة سليمان على ميسرة الحصين، والميسرة أيضاً على الميمنة، وحمل سليمان فى القلب على جماعتهم، فانهزم أهل الشام، وما زال الظفر لأصحاب «سليمان» إلى أن حجز بينهم الليل.

ولما أصبح أهل الشام أتاهم أدهم بن محرز الباهلى فى نحو من عشرة آلاف من «ابن زياد»، فاقتتلوا يوم الجمعة قتالاً شديداً إلى ارتفاع الضحى، ثم إن أهل الشام تعطفوا عليهم من كل جانب، ورأى «سليمان» ما لقى أصحابه، فنزل ونادى: عباد الله من أراد البكور إلى ربه والتوبة من ذنبه فإلىّ، فنزل معه ناس كثير وكسروا جفون سيوفهم ومشوا معه، فقاتلوهم، فقتل من أهل الشام مقتلة عظيمة، وجرحوا فيهم فأكثروا الجراح، فلما رأى الحصين صبرهم وبأسهم بعث الرجّالة ترميهم بالنبل واكتنفتهم الخيل والرجال، فقتل «سليمان»، رماه يزيد بن الحصين بسهم فوقع، ثم وثب، ثم وقع. ولما سمع عبدالملك بن مروان بقتل سليمان وانهزام أصحابه، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق، وقتل ملقح الفتنة ورأس الضلالة: سليمان بن صرد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف