هذا المقال سيغضب أنصار الرئيس السورى بشار الأسد ومعارضيه أيضا، وسيغضب مؤيدى إيران وأمريكا وتركيا وروسيا ومعارضيهم كذلك، ولن ترضى عنه الدول العربية المتورطة فى المستنقع السورى، وكذلك النظم العربية التى قد تجد فيه تلميحا إلى أوضاع تخصها، لكنها الحقيقة التى لا مفر منها.
فى الأزمة السورية منذ بدايتها وحتى الآن دروس كثيرة، ينبغى أن يتعلم الجميع منها حتى لا تتكرر فى دول أخرى، ولنتمكن من التوصل إلى تسوية سياسية تحقن دماء السوريين، وتنقذ الأمن القومى العربى.
> الدرس الأول: إن عدم السماح بتداول السلطة سلميا والإصرار على توريث الحكم، وانسداد الأفق أمام القوى السياسية، سيؤدى حتما إلى انفجار الأوضاع مهما تكن القبضة الأمنية الحديدية للسلطة.
فالرئيس السورى الراحل حافظ الأسد مشهود له بأنه كان من أذكى الزعماء العرب، وأكثرهم دهاء، لكن خطأه الأكبر الذى يدفع الشعب السورى ثمنه حتى الآن، هو إصراره على احتكار حزب البعث للسلطة إلى الأبد، والإصرار الأشد على توريث الحكم لأبنائه رغم أن سوريا جمهورية وليست ملكية، ورغم وجود بدائل كثيرة توفر الأمن والاستقرار للبلاد وتسير به على نفس النهج السياسى أيضا.
فالرئيس حافظ الأسد كان يعمل على قدم وساق لإعداد نجله باسل لخلافته وتوريث الحكم له، حتى لقى الأخير مصرعه بشكل درامى مفاجئ فى حادث سير على طريق مطار دمشق عام 1994، وكان يمكن إغلاق ملف التوريث عند هذا الحد، وإتاحة الفرصة لقيادات جديدة، لكن الإصرار الغريب على التوريث أدى إلى استدعاء الابن الثانى بشار الأسد على عجل، والإسراع فى إعداده ليخلف والده فى رئاسة سوريا عام 2000، ويستمر الأخير فى نفس النهج الذى يقطع الطريق على أى تداول سلمى للسلطة، حتى انفجرت الأوضاع مع الربيع العربى، واستغله أعداء سوريا فى التنكيل بها.
> الدرس الثانى: إن الاستقرار الاقتصادى لا يغنى عن حياة سياسية سليمة.
فسوريا فى عام 2000 كانت تعتبر من الدول مرتفعة المديونية في المنطقة حتى بدأت عملية إصلاح اقتصادى ناجح، واعلنت رسميا فى أبريل 2010 عن إغلاق ملف ديونها الخارجية بعد تسوية مديونياتها لتصبح سوريا أقل الدول مديونية فى المنطقة العربية بأكملها، واصبح لديها اكتفاء ذاتى من السلع الغذائية، وكان من نتيجة ذلك أن مستوي الأسعار فى سوريا ـ قبل الأزمة ـ كان من أقل المستويات فى الدول العربية، لدرجة أن اللبنانيين كانوا يسافرون فى عطلة نهاية الأسبوع إلى سوريا لشراء احتياجاتهم الأسبوعية والاستفادة من الفارق الكبير فى أسعار السلع المختلفة.
لكن هذا الاستقرار الاقتصادى لم يغن المواطن العادى عن حياة سياسية سليمة، تضمن له المشاركة فى صناعة القرار، ولم يجد ما يبحث عنه إلا مع بعض مجموعات المعارضة.
> الدرس الثالث: إن وجود جيش وطنى قوى قادر على الدفاع عن البلاد هو أولوية قصوى لأى دولة، فالنصر الآن للقوى وليس لصاحب الحق.
فقد اعتمد الجيش العربى السورى فى حقبة ماقبل الأزمة على التسليح الروسى بشكل أساسى، ورغم قوة الجيش السوري المعروفة، إلا أنه مر بعدة ظروف ساهمت فى عدم وصوله إلى المستوي المأمول، منها عدم تنوع مصادر السلاح، وعدم الاهتمام بعمليات تحديث نوعية مهمة له طوال سنوات قبل الأزمة، وانشغال بعض قوات الجيش فى لبنان حتي عام 2005، وسيطرة بعض مظاهر الطائفية والقبلية على بعض المستويات القيادية، وأثر كل ذلك على مستوى الأداء فى خلال الأزمة السورية، مما تطلب تدخل حزب الله وايران ثم روسيا لضبط الأداء العسكرى على الأرض لصالح الدولة السورية.
> الدرس الرابع: المعارضة التى تستقوى بالخارج خائنة للوطن بأجمعه وليس للنظام فقط، وسيكون حساب التاريخ لها عسيرا.
فى سوريا ظهرت عدة حركات معارضة قبل اندلاع الأزمة، أبرزها هيئة التنسيق وجبهة التغيير وغيرها، ورغم أنها لم تكن تتمتع بحرية حركة كاملة وكان يتم التضييق على اعضائها فى أحيان كثيرة وصولا إلى القبض على بعضهم أحيانا، إلا أنها تمتعت بمصداقية وبدأت فى توسيع شبكة التواصل مع الشعب السورى، لكن مع بروز الأزمة ظهرت المعارضة المسلحة التى تحظى بدعم وتمويل خارجى، وتعمل وفق مصالح واجندات أجنبية تختلف حسب مصدر التمويل، وهى لم تكن تقاتل النظام فقط بل والشعب أيضا، وتسببت فى تدمير كثير من المناطق وتهجير أهلها، والوقوف حجر عثرة فى سبيل إتمام التسوية السياسية، وهي بهذا الشكل عدو للوطن وليس للنظام.
> الدرس الخامس: الجماعات التكفيرية كلها من الإخوان إلى داعش صنيعة الاستعمار، والتصدى لها فور بداية ظهورها أمر حتمى قبل أن تخرج عن السيطرة.
فكثير من الجماعات التكفيرية التى ظهرت فى سوريا بزعم محاربة النظام، كان يمكن اجتثاثها منذ البداية، لولا الدعم الكبير التى حصلت عليه من بعض الدول الخليجية، والاستهانة بأمرها حتى تمكنت من السيطرة على مساحات كبيرة، وإعلان قادتها خلفاء وأمراء على هذه المناطق، والتعامل مع السكان وكأنهم عبيد لديهم.
> الدرس السادس: المصالح القطرية الضيقة هى التى تحكم العلاقات العربية ـ العربية الآن، بغض النظر عن محددات الأمن القومى العربى.
فهناك دول عربية تستعر الخلافات بينها وبين بعضها البعض، لكنها تجتمع على موقف واحد من الأزمة السورية هو دعم مجموعات المعارضة المسلحة، وتحريض الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة على توجيه ضربات عسكرية لسوريا، بهدف إسقاط النظام وما سيؤدى إليه من سقوط للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية، رغم أن ذلك يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومى العربى.
> الدرس السابع: القوى الدولية والإقليمية على أهبة الاستعداد للتدخل فى أى أزمة عربية، لتنال نصيبها من الكعكة وليس لحل الأزمة.
فمع تصاعد العمليات العسكرية فى سوريا، تدخلت ايران وروسيا بطلب من الرئيس بشار لمساعدة حليفهما فى مواجهة المجموعات المسلحة المدعومة من دول أخرى، واعتبرتها ايران فرصة لتثبيت مشروع الهيمنة الإيرانى فى المنطقة لتنضم سوريا إلى العراق ولبنان واليمن إلى جانب المحاولات التى تجرى فى البحرين والسودان لترسيخ هذا المشروع.
بينما تستهدف روسيا ـ التى تعد أكبر مصدر للغاز الطبيعى فى العالم ـ منع استغلال الأراضى السورية فى مد خطوط أنابيب منافسة لها لنقل الغاز القطري إلى أوروبا، إلى جانب الاحتفاظ بالقاعدة البحرية الوحيدة لها فى شرق المتوسط، وهو أمر لن يتم إلا باستمرار النفوذ الروسى فى سوريا.
وفى المقابل اصبح للولايات المتحدة قواعد عديدة داخل سوريا بالقرب من مناطق الغاز الطبيعى المتوقع اكتشافه بكميات كبيرة، إلى جانب الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذا الموقع. بينما وجدت تركيا الفرصة سانحة لتأمين حدودها مع سوريا ومنع إقامة دولة كردية. وبذلك أصبح التدخل الإقليمى والدولى جزءا من المشكلة وليس الحل.
> الدرس الثامن: إسرائيل هى المستفيد الأكبر من كل ما يحدث فى الدول العربية الآن، والقضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للعرب رغم كل ما قيل فى قمة الدمام العربية.
< كلمات:
«لا يوجد سبب واحد يجعل رجلا حقيقيا يخلف وعده إلا الموت».
صالح سليم