المصريون
محمود سلطان
كيف نفهم تعاطف الناصريين مع بشار الأسد؟!
عندما طرحت في مقالات سابقة، أيهم له الأولوية: الإنسان أم الدين أم الدولة، فإن السؤال لم يكن مطروحًا على الإسلاميين وحدهم، ولكن أيضًا كان مطروحًا بذات القدر على التيارين القومي والناصري.
في التجربة السياسية الإسلامية، كانت "الدولة" مقدمة على "الإنسان"، فإذا تعارض الاثنان، فإنه "دينيا" ـ بحسب الفقه السياسي الإسلامي ـ يسحق الإنسان "حماية للدولة" من السقوط.
وضربت ـ مثلا هنا ـ بسلاطين الدولة العباسية، الذين قتلوا على تقدير، 600 ألف مسلم من أجل "تثبيت الدولة"!!
وتبين لاحقًا، بعد مراجعة فترة تدوين الفقه السياسي الإسلامي، منذ نهايات القرن الرابع الهجري وإلى بداية القرن الخامس.. لماذا انحاز "الفقهاء ـ العلماء" للقمع السلطوي الدموي آنذاك.. إذ كان هاجس الدولة والقلق من "تفكيكها ـ إسقاطها" بسبب التمرد والخروج عليها، مهيمنًا على الهموم اليومية للفقهاء، وذلك لأنهم رأوا أن شرط "قيام الدين" هو و"جود الدولة" والحفاظ على هيبتها.. فالدولة شرط لقيام الدين.
بعد الحرب العالمية الأولى، تأسس نظام دولي جديد، يقوم على فكرة "الدولة الوطنية".. ظلت الأخيرة، محتفظة بنزعتها الإنسانية، بسبب وجود "الملك ـ الأب"، إلى أن سقطت غالبية الملكيات، وتراجعت "أنسنة السلطة" بكل تجلياتها في حياة الشعوب، ليحل محلها ـ بعد ظهور عبد الناصر في مصر ـ في السلطة صورة الزعيم "الإنسان السوبر" الذي يأتي بكل ما يفوق قدرة البشر من إنجازات، بكل تعبيراتها من نزعات استعلائية على كل ما هو إنساني.
مع ظهور الناصرية (52 ـ 1970)، تأسس في العالم العربي، تيار قومي، عمل على إسالة ذات الزعيم "المقدس" في ذات الدولة، وعمل الإعلام التعبوي، على تحويلها إلى بنية أساسية صلبة، في العقلين القومي والناصري أولاً ثم لفلفتها في العقل الجمعي الأمي وغير المتعلم أو الأقل ثقافة وتعليمًا في القرى والنجوع والأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة.
هذه التوأمة الناصرية والقومية بين الذاتين: الزعيم والدولة.. خلقت نوعًا من الكهنوت السياسي الناصري والقومي، يشبه فترة تدوين الفقه السياسي الإسلامي في القرنين الرابع والخامس الهجري، واعتمد فرضية تقول إن وجود الدولة مرهون بوجود الزعيم.. وأن تثبيت الدولة مرتبط بالاصطفاف حول الزعيم!
فيما يغيب السؤال تمامًا عن منزلة "الإنسان ـ المواطن"، ولا يجوز أن تسأل عن حقوقه، فليس ثمة حق إلا للزعيم الذي أسيل وتخللت ذاته في ذات الدولة.. وهي الحالة التي ارتكبت باسمها مئات الجرائم ضد الإنسان العربي في بلده ووطنه.. فالمعارضة الجماعية للزعيم، من السهل سحقها وبقسوة أو وحشية ولو بالكيماوي، تحت غطاء شعبي مهووس ومستلب ويرى أن التمرد على الزعيم، خيانة عظمى للدولة.. وممارسة إجرامية تهدف إلى إسقاطها.
فهلا فهمنا الآن.. لماذا يتعاطف الناصريون والقوميون مع المجرم بشار الأسد ولا يرمش لهم جفن أمام مذابحه اليومية المروعة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف