فيتو
يثرب يونس
مشاعر مبعثرة
بداخلنا مشاعر تتسابق للاختباء، فتارة تسكن ظل بعضها، وتارة أخرى تستكين في حيزها طالبة الاحتماء، حين تتيقن أن الأمان في العودة خطوات للوراء، فالبدايات براقة والمشاعر في النهايات تدفع الثمن بالاحتراق، فالصداقة مقنعة لعدم الاهتمام، والحب يسكنها باحثا للود عن الدوام، والأخوة مقبولة حين يكون القرب للأغراب مرفوض معاب..

مشاعر هاربة من ضغوط العقل أو مطالب القلب تبحث عن مخرج لا ينتهي بها الحال بإحساس يدفن أو نبض يهان.. تختلط المشاعر مبعثرة، حائرة لا تشعر بدفء الصفة، تبحث عن وصف دقيق لها، علها تظهر من الخفاء للعلن، أو لتعود لتسكن الظل خلف مسمى يقتل فيها المعنى، ويسلبها حقيقة الإحساس..

على هامش الحياة يجبر البعض أن يقتات بقايا مشاعر من الآخرين ليبقي على القرب، وحتى لا يسقط منه الإحساس في هوة الجفاء ممن أحب. فأحيانا يجبرنا العمر على إخفاء مشاعر في ريعان نقاوتها، لوصف المجتمع لها أن صاحبها في فورة الشباب واندفاعه، ومن سخرية الأحكام لنفس المجتمع أنه يجعلنا نتنصل من المشاعر النابضة بالحب فقط لأن العمر قد تقدم بنا!

هل للمشاعر وقت للظهور على سطح العلاقات! أم هل للأحاسيس عمر للقبول بها من المجتمع! هناك العاشق إن كان في سن "الجد مثلا" خاجلا من مشاعره، ويقبل القرب من محبوبته بمسمى مؤلم وضعه لمشاعره اتجاهها وعبر عنها على استحياء في صورة اخ أكبر!

حتى يتقبل المجتمع قربه لها.. ظلم مشاعره وخبئها في صورة عقلانية لا عاطفية. وتلك الأم الوحيدة أصبحت مجرد صديقة لرجل أحبته، لحكم المجتمع عليها بأن يكفيها أولادها في الحياة! ولتنسى مشاعرها كامرأة وتخفيها في طيات أمومتها. للقياس على كم إخفاء الرجال والنساء لمشاعرهم النقية الصادقة، ولنكن منصفين في وصف المشاعر فلنقل الناضجة فلينظر كلا منا بداخله، وليتفحص مشاعره، عواطفه..

سيعرف أن هناك حتما مشاعر أجبر على جعلها تختبئ في ظل مشاعر أخرى لا تصف حقيقتها ولا تعلن عنها، ليضمن البقاء بقرب من أعزها. أو أحاسيس حاول جاهدا تجنبها حتى لا يقع في شبكة الملامة ممن حوله، أو قد يكون استنكرها على نفسه موبخا "أيعقل في هذا العمر"!

وربما مشاعر خاف منها، لأنه لأول مرة يختبرها أو يتذوق حلوها، فبعد عنها وأخفاها عن عقله، وإن عاش القلب يحن لها. وقد نجد امرأة يكن لها من حولها الاحترام فتوأد مشاعر بريئة وصادقة لرجل يصغرها في العمر، حتى لا تعاب من مجتمعها، فترضخ لوصف الزمالة أو الصداقة لمشاعر رقيقة قد تخجلها إذا ظهرت.

من منا لم يكن مشاعر الحب الصادق في مقتبل العمر! وكم منا أجبر على الهروب من تلك المشاعر بحكم الظروف المادية أو الإمكانيات! فعاشت مشاعره في ظل العلاقات لا تجد من يخرجها لنور الحب والود المتبادل ربما لفوات الأوان. من منا أعلن عن مشاعره بوضوح ودون خجل، وتحدى مجتمع لا يعرف سوى إطلاق أحكام متعنتة، مجحفة للمشاعر، مطالبة للرجل بالعقلانية وتغافل ضعف قلبه، وضاغطة على المرأة بحكم شرقيتها أن تكتفي بصفة الأم أو الأخت أو الصديقة "في حدود ضيقة" وتتناسى أنها امرأة بلا رجل.

وحتى تكون الصورة مكتملة، فلا نغفل مشاعر الكره والبغض والظلم مثلا، هي الأخرى تجبر أن تسكن الظل لظروف المجتمع الضاغطة، فنجد الزوجة التي تشعر بالكره تجاه زوجها الذي يسيء معاملتها، ولا ننكر الإحساس بالظلم من أب قاس أو غير عادل بين أبنائه.

فنجد مشاعر البغض تستتر خلف ود العشرة المزعومة بين الزوجين، ونجد عقوق الأبناء يسكن مشاعر الجفاء للوالدين. هي مشاعر يجب أن يحكمها القلب، لكن نجدها تختفي أو تسكن طيف مشاعر أخرى لتبقى، أو تتقن الاختباء في القلب بضغوط العقل، بسبب الخوف من الآخرين سواء بالرفض أو الاستنكار، ولادعاء الحكمة والمثالية، بتجريد النفس من الإحساس متقمصا للعقلانية الواعية، بخوف شديد من حكم الآخرين علينا، بهروب ظالم للنفس من مواجهة المجتمع.

لندافع عن مشاعرنا بصدقها وعذوبتها، فلا مجال في العمر للتحسر على إحساس أنكرناه فهجرنا، ولا مشاعر تخطيناها فندمنا أننا في يوم أضعناها، ولا عاطفة خجلنا من إظهارها في وقتها فافتقدناها لاحقا ونعيش نحن لها ويئن القلب طالبا لدفئها، مهما حاولنا خداع أنفسنا بقبول مشاعر بديلة لمشاعرنا الأصلية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف