الوطن
أحمد رفعت
وانتهى من مصر زمن الانتخابات المزورة!
أدرك الجميع ومنذ اللحظة الأولى إصرار الدولة على إجراء انتخابات بالتصويت الحر لجموع المصريين دون أى تدخل بالشكل المتعارف عليه فى السابق.. فلم تكن كل عمليات الحشد التى تمت إلا لاعتماد هذا التصويت المباشر وسيلة وحيدة للنتيجة المنتظرة..

أربع حقب مع أربعة حكام عرفتها مصر فى قرن إلا قليلاً.. من الملك إلى الرئيس مبارك.. ثلاث منها زعمت أنها ليبرالية ديمقراطية وهى فى الحقيقة لم تكن كذلك، وواحدة ألغت الأحزاب وأعلنت للناس صراحة أنها تستند إلى حكم الشرعية الثورية لأنها نتاج ثورة وتستهدف تغيير تركيبة المجتمع المصرى كله وبما لا يتفق ذلك مع الديمقراطية بمفهومها الغربى، وفى استعراض سريع للتذكرة التى هى تنفع المؤمنين نقول إن الحقبة الأولى كانت ثمرة لدستور 23 ومع ذلك ينص الدستور المذكور فى مادته رقم 33 على أن الملك هو رمز الدولة الأعلى وذاته مصونة لا تمس، ولذلك كان بيرم التونسى ضيفاً دائماً على سجون الملك لتعرضه أكثر من مرة للذات الملكية، وفى الدستور نفسه أيضاً المادة 24 وتنص على أن السلطة التشريعية يتولاها الملك بالمشاركة مع مجلس الشيوخ، وعن مجلس الشيوخ تنص المادة 74 على أن: يؤلف مجلس الشيوخ من عدد من الأعضاء يعين الملك خمسيهم ويُنتخب الثلاثة أخماس الباقون بالاقتراع العام على مقتضى أحكام قانون الانتخاب! ثم تأتى المادة 78 لتنسف فكرة أى حقوق للشعب المصرى الحقيقى بطبقاته الواسعة إذ يُشترط فى عضو مجلس الشيوخ شروط صعبة منها أن يكون من الوزراء والممثلين السياسيين.. رؤساء مجلس النواب.. وكلاء الوزارات، حتى يصل إلى الملاك الذين يؤدون ضريبة لا تقل عن مائة وخمسين جنيهاً مصرياً فى العام.. من لا يقل دخلهم السنوى عن ألف وخمسمائة جنيه! وهذه طبعاً مبالغ ودخول مرتفعة جداً بمعايير ذلك الوقت، وبالتالى فلا شأن للأغلبية الكاسحة من المصريين بها، ومع ذلك شهدت الانتخابات وقتها، ومن دون الدخول فى تفاصيل، حالات تزوير شهيرة، فضلاً عن عدم احترام إرادة الناس الذين كانوا يمنحون الأغلبية لأحزاب بعينها مثل الوفد، إلا أن الملك يضرب إرادة الجميع فى عرض الحائط ويكلف أحزاب الأقلية بتشكيل الوزارة!

ما بعد ثورة يوليو لم تزعم الدولة أنها ليبرالية بل تبنت فكرة التنظيم الواحد وليس الحزب الواحد، وحكمت بالشرعية الثورية، لكن فى عام 1976 وبعد التحول إلى نظام المنابر الثلاثة اليمين واليسار والوسط تمهيداً للعودة إلى نظام تعدد الأحزاب، إلا أن رئيس البلاد نفسه صاحب المقولة الشهيرة «الديمقراطية لها أنياب»، وحتى رحيل الرئيس السادات، أجريت انتخابات واحدة وصفت بالنزاهة التامة تحت إشراف اللواء ممدوح سالم، وزير الداخلية ثم رئيس الوزراء، ومع ذلك تم حل مجلس الشعب للتخلص من عدد من النواب يعارضون السلام مع إسرائيل ولم تحتملهم السلطة ولا الأغلبية الكاسحة المؤيدة لها، كما شهدت إسقاط عدد من النواب منفردين؛ منهم نائب أسيوط الشجاع الصحفى أحمد فرغلى، على خلفية اتهامه بترويج شائعة الترتيب لاغتيال السيد خالد محيى الدين أثناء زيارته لأسيوط، إنما كان السبب الحقيقى خلاف ذلك، وله قصة طويلة حكاها لنا النائب أحمد فرغلى بنفسه قبل رحيله أواخر الثمانينات، ولم نستطع نشرها بمجلة جماعة الصحافة بالمدرسة الثانوية! بينما تعرضت الأحزاب السياسية لضربات أمنية دائمة وصودرت صحفها حتى قيل إن جريدة الأهالى، التى تصدر عن حزب التجمع، تصادر أكثر مما تصدر، فى حين تم تحويل عدد كبير من الكتّاب والصحفيين لأعمال إدارية لا علاقة لها بالصحافة بلغت حد النقل للعمل بمحلات باتا وصيدناوى، وكان من بين هؤلاء الصحفيين الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد!

وبعد تولى الرئيس مبارك أفرج عن من اعتقلوا أواخر عهد الرئيس السادات، واستبشر الناس خيراً، واعتقدوا أن صفحة جديدة ستبدأ فى مصر، إلا أن الدولة اعتمدت نظرية «التنفيس» حلاً يمنع تكرار أى انفجار شعبى؛ فسمحت بالتعدد الحزبى وحرية الصحف وبشكل غير مسبوق فعلاً فى الانتقاد بلغ حدود رئيس الجمهورية فى السنوات العشر الأخيرة، إلا أنه كان مقابل ذلك تُرك الجميع يتحدث ويكتب إلى حدود الصراخ والتشنج، وأن تفعل السلطة كل ما يحلو لها؛ فلا انتخابات نزيهة ولا مطالب الناس محل أى اعتبار فتم بيع القطاع العام، واختلط رأس المال بالسلطة، وتم إنهاء ما تبقى من مبدأ تكافؤ الفرص، وصارت الوظائف بالمقابل، خصوصاً فى الوظائف المهمة، واحتكرت فئات بعينها عدداً من المهن، وتُرك الفساد والمفسدون بلا حساب أو عقاب إلا من يختلف مع أحد رجال السلطة، وتم تقييد سلطة الرقابة الإدارية رغم إعادتها للحياة بعد إلغائها عام 80، حتى وصلنا إلى ما نعرفه من شراكة غير معلنة للإخوان فى البرلمان ثم تزوير انتخابات 2010 وما تلاها يعرفه الجميع!

أما عصر عصابة الإخوان فلا يحتاج إلى شرح.. حيث انتقلنا إلى عنف السلطة نفسها متمثلاً فى ميليشيا لأعضاء الإرهابية، وبالتالى فحتى الانتخابات التى جاءت بالإخوان إلى برلمان 2012 ووصول «مرسى» للرئاسة تم بإشراف المجلس العسكرى وقتها إنما فكرة إجراء أى انتخابات ديمقراطية حقيقية فى ظل وجود الإخوان فلم تكن عبثية فحسب وإنما مستحيلة!

الآن.. وقد انتهت الانتخابات وكتب شعبنا سطراً جديداً فى تاريخه المجيد ومارَس حقه فى اختيار حاكمه وانتقل خطوة للأمام، ونجزم أنه لن يرجع عنها مرة أخرى.. فالتطورات الكبرى فى تاريخ الأمم تبدأ أيضاً بخطوات كبرى وما تعيشه الدول المتحضرة لم يحدث فجأة ولم يتم بقرار.. إنما تم بالتراكم.. خطوة بعد أخرى.. وخطوة فوق أخرى.. حتى بلغوا ما هم فيه.. واليوم وقد جرت انتخابات قد تكون معروفة النتائج مسبقاً عند الكثيرين فإن الانتخابات المقبلة ستشهد منافسة ملحوظة والانتخابات التى تليها ستشهد منافسة طاحنة لن يعرف شعبنا نتائجها حتى اللحظات الأخيرة، والانتخابات التى تليها قد يُسقط المصريون رئيساً فى السلطة.. وهكذا يحدث التطور وهكذا يكون التراكم وكل ذلك بدأ بخطوة المشاركة فى الانتخابات وقد تلاقت فيها الإرادتان.. إرادة شعب قرر تحديد مصيره وإرادة قيادة شجعته على ذلك لإيمانها الحقيقى بضرورة بناء دولة عصرية حديثة..

انتهى من مصر وإلى الأبد زمن الانتخابات المزورة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف