الأخبار
د.محمد مختار جمعه
حق الطريق والمرافق العامة
يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَي عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»‬ (صحيح مسلم) ، ولما سأله أحد الناس : يا رسول الله دلَّني علي عمل يدخل الجنة فقال له (صلي الله عليه وسلم) : »‬ أَمِطِ الأَذَي عَنِ الطَّرِيقِ» ، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬أَمِطِ الأَذَي عَنِ الطَّرِيقِ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ» ، ونهي (صلي الله عليه وسلم) عن التبول أو التغوط في الطريق لما في ذلك من أذي الناس ، وقال (صلي الله عليه وسلم) يومًا لأصحابه (رضوان الله عليهم) : »‬ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلي الله عليه وسلم) : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَي وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» (متفق عليه).
فثمة آداب عامة يجب أن نتحلي بها في الطرقات والحدائق والأماكن العامة ، أولا : الحفاظ علي المكان ، وتركه أنظف مما كان ، والتعامل معه تعامل الإنسان مع ماله الخاص ، وعدم الإسراف في أي خدمة تقدم في إطار المرفق العام من مياه أو كهرباء أو خلافه.
ومنها الآداب العامة ، كغض البصر ، وكف الأذي ، سواء أكان كفًّا للأذي عن طريق نفسه ، أم كفًّا لأذي الإنسان نفسه عن الناس ، فالمسلم الحقيقي من سلم الناس من لسانه ويده ، ومنها رد السلام ، حيث يقول الحق سبحانه : »‬ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» ، لا أن يكون حالنا كحال من يتعامل - حتي مع السلام - بنفعية وقياس لمنازل الناس ، علي حد قول الشاعر:
يحيـــي بالســـلام غنــي قــوم
ويبخل بالسلام علـــي الفقـيـر
أليس المـوت بينهمــا ســـواء
إذا ماتــوا وصـــاروا بالقبـــور
وقد قالوا : أبخل الناس من يبخل بالسلام ، لأنه يبخل باليسير الذي لا يكلفه شيئًا ، ومن أهم آداب الطريق الالتزام بقواعد وتعليمات السير فيه ، وعدم الاعتداء عليه أو تضييقه أو التعدي عليه بالبناء أو أي لون من ألوان الاستغلال غير القانوني أو إعاقة السير فيه ، كعمل بعض المطبات المطابقة للمواصفات بعيدًا عن الجهات المسئولة عن الطريق.
وإذا كان النبي (صلي الله عليه وسلم) قد جعل إماطة الأذي عن الطريق صدقة ، وجعله شعبة من شعب الإيمان ، وسبيلاً لدخول الجنة ، فإن الاعتداء علي حق الطريق أو المرافق العامة وفق مفهوم المخالفة عند الأصوليين يوقع صاحبه في الإثم ويعرضه لسخط الله (عز وجل) ، كونه معتديًّا علي الحق العام أو النفع العام ، ويتخذ لنفسه منه خصماء عند الله (عز وجل) في الدنيا والآخرة ، حيث يعرض نفسه لسخط الله وسخط الناس.
وكل ما هو حق للطريق هو حق للأماكن والحدائق والمتنزهات والمصايف والمنتديات العامة ، وكل ما يجمع الناس ، إذ ينبغي علي كل إنسان أن يحرص علي نظافة وسلامة المكان الذي يكون فيه ، وأن يحرص علي عدم أذي الناس ، بل يحرص كل الحرص علي مساعدتهم ، وإكرامهم ، وأن يكون صورة إيجابية مشرفة لدينه ووطنه ، فالإسلام ليس كلامًا ، إنما هو فعل وسلوك يعبر عن مدي تمسك صاحبه بالمبادئ والقيم السامية والأخلاقية الكريمة ، من عفة اليد واللسان والبصر ، وطيب الحديث وسخاء النفس ، يضاف إلي ذلك الحرص علي سلامة المرافق العامة باعتبارها مالاً عامًا يجب الحفاظ عليه.
ويلحق بالمرافق العامة ، المرافق الخاصة المشتركة ، كمن يشتركون في مسقي أرض ، أو طريق زراعي ، أو مداخل العمارات والأبنية ، أو الحدائق المحيطة بها ، أو سلم العمارة أو سطحها أو مصاعدها ، فكل ذلك يقتضي التعاون في صيانتها وحسن استخدامها والحفاظ عليها ، وألا يحاول أحد أن يكون عالة علي الآخرين فيها أو أن يجور علي حقهم في استخدامها ، فخير الناس خيرهم لأهله ، وخيرهم لجيرانه ، ويكفي أن نبينا (صلي الله عليه وسلم) قد قال : »‬ وَاللَّهِ لاَيُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ،قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ : شَرُّهُ» ، وسأل أحد الناس النبي (صلي الله عليه وسلم) قائلاً : »‬ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَي أَكُونُ مُحْسِنًا؟، قَالَ: »‬إِذَا قَالَ جِيرَانُكَ: أَنْتَ مُحْسِنٌ، فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِذَا قَالُوا: إِنَّكَ مُسِئٌ، فَأَنْتَ مُسِئٌ» ، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬ مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّي ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثهُ».

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف