الأهرام
مصطفى الفقى
العميد عبد الفتاح السيسى وما كتبه عن الديمقراطية 2006
لم يكن يتوقع أن يكون بطلًا قوميًا عام 2013 ، ولم يكن يحلم أن يكون رئيسًا للجمهورية عام 2014 فانخرط فى عمله بإخلاص حتى إن المشير طنطاوى قال عبارته الشهيرة إنه عندما كان يسأل عن السيسى يجده يعمل واحدة من ثلاث، إما أنه فى عمله العسكرى أو يؤدى الصلاة أو يقوم بتدريبات لياقة بدنية فى الصالة الرياضية، ولقد وقع فى يدى بحث مثير تقدم به العميد عبد الفتاح سعيد السيسى إلى كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكى ببنسيلفانيا، وكان البحث الذى تقدم به ذلك الضابط المصرى الكبير بعنوان (الديمقراطية فى الشرق الأوسط) تحت إشراف الكولونيل (استيفن جيراس) ، وقد رفع تقريره الأكاديمى فى 15 مارس 2006 ليغطى فترة عام كامل هو البعد الزمنى لذلك البحث المثير، وما أن وقعت هذه الدراسة فى يدى إلا وشعرت أننى أمام كنز حقيقى لأننا سوف نكون قادرين على استكشاف الرؤية المبكرة للرجل الذى يحكم مصر والقائد الذى اجتاز أصعب اللحظات وأقسى الظروف معبرًا عن إرادة شعبه وهو يقول فى مقدمته: (إن ذلك البحث يتناول تبعات التحول الديمقراطى فى منطقة الشرق الأوسط من خلال تقييم الأوضاع الاستراتيجية والسياسية فى المنطقة، ويشير مباشرة إلى الاختلاف فى المنظور بين الثقافتين الشرق أوسطية والغربية ، ويحدد محاور ثلاثة ذات تأثير على رؤية المستقبل فى الشرق الأوسط وهى تأثير الفقر، وتدنى مستوى التعليم، وعنصر الدين ومحاولة استغلاله فى التطرف والابتعاد عن روحه السمحاء)، ثم يضيف مباشرة: (إن منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق فى العالم وهى مهد الديانات السماوية الثلاث - الإسلام والمسيحية واليهودية - مؤكدًا أن الطابع الدينى يغلب على ثقافة شعوب تلك المنطقة ويعد من أهم العوامل المؤثرة على سياساتها)، ثم يستطرد السيسى قائلًا: (على الرغم من أن الشرق الأوسط قد شرع فى التحول نحو تطبيق الحكم الديمقراطى فإن بقايا الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ما زالت قائمة، كما أن شعوب المنطقة تدرك أن الديمقراطية بشكل كامل لن تتحقق إلا بعد تسوية النزاعات وإزالة أسباب التوتر)، ثم يردف قائلًا: (إن تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الفردى إلى الديمقراطى لن يكون كافيًا وحده لبناء ديمقراطية جديدة، وسوف يتطلب الأمر وقتًا لكى تتأقلم الشعوب والمؤسسات مع أنظمة الحكم الحديث وروحها العصرية)، ثم يمضى قدمًا فى بحثه المتميز لكى يرى نظرة رجل الشارع العادى فى الشرق الأوسط للديمقراطية باعتبارها تحتوى على مضمون علمانى يجعل من غير المرجح أن تلقى ترحيبًا من قبل الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط الذين يخضعون لحوار دائم حول المستقبل، ثم يقرر صراحة: (إن مسألة الديمقراطية فى هذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط من المسائل الهامة حتى يتم نضوج المنطقة لاستيعابها)، ثم يدخل السيسى فى جوهر دراسته لكى يبحث فى تحديات الديمقراطية فى المنطقة ليؤكد أن الجانب الاقتصادى له أهميته مقدرًا مجموع الناتج القومى لدول المنطقة مجتمعة فى ذلك الوقت بأقل من إجمالى الدخل القومى لإسبانيا، ثم يحلل فى دراسته القيمة أسباب الفقر ويرجعها إلى دوافع عامة منها الصراع العربى الإسرائيلى والحرب العراقية الإيرانية غير المبررة، ونزاع الصحراء المغربية والخلافات بين سوريا ولبنان، ثم يتجه فى دراسته إلى التركيز على آرائه متسائلًا عن المليارات التى تنفقها الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب على العراق ويضيف فى دهشة: (لماذا لا يستخدمون تلك الأموال فى تحقيق التنمية الاقتصادية بدلًا من خوض الحروب؟)، ثم يذهب مباشرة إلــى بحث مستوى التعليم حيث وصلت نســبة الأمــية فــى الشـــرق الأوســط باستثناء سوريا وإسرائيل من30% - 45% من مجموع السكان، ثم يشير السيسى فى ختام دراسته الهامة إلى اختلاف التصورات بين ثقافة الشرق الأوسط والثقافة الغربية إزاء الديمقراطية وهو يقول: (هناك أمل فى إقامة ديمقراطية فى الشرق الأوسط على المدى البعيد إلا أنها لا تكون نموذجًا يتبع القالب الديمقراطى الغربي، فالديمقراطية فى الشرق الأوسط يجب أن تتسع لأنواع مختلفة من نظم الحكم، ولا ننسى التأكيد على أن التعليم ووسائل الإعلام يمثلان ركيزة أساسية لإرساء الديمقراطية، مطالبًا بأن تتحول الدول من نظم الحكم المتحكمة فى كل شيء إلى سلطات الدولة العصرية التى تتسم بالاعتدال)، ثم تأتى العبارة الختامية فى بحث السيسى عن الديمقراطية فى الشرق الأوسط ليقول: (إن على بلادنا اتخاذ هيكل مثل الاتحاد الأوروبي، فالاتحاد الأوروبى يمثل بلدانا وحضارات ذات مستويات معيشية متباينة، ولكنها ترى أن اتحادها ضرورى لمصلحة أوروبا الاقتصادية والأمنية، فضلًا عن التأثير الدولي، ولذات الأسباب السابقة ينبغى على الشرق الأوسط أن يكون كيانًا موحدًا وربما يدعم ذلك إنشاء سوق حرة مشتركة وهى إحدى مساعى الديمقراطية)، ثم تأتى الفقرة الأخيرة فى دراسته المثيرة لكى يقول: (بينما يتطور الشرق الأوسط لابد أن يساعده بقية العالم لتطبيق قيام الديمقراطية ووسائلها وسيكون الاستثمار لوسائل التعليم نقطة جيدة للبداية).

لقد قضيت فترة ممتعة فى تقليب هذا البحث والدخول فى عقل رئيس الجمهورية عندما كان عميدًا فى القوات المسلحة يدرس فى الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يعود ليكون رمزًا للفداء وصوتًا عربيًا متوازنًا أمام الأزمات العابرة والمشكلات المزمنة .. تحية للسيسى بعد اثنى عشر عامًا من بحثه القيم الذى يفيض شجاعة وحكمة واعتدالًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف