الأخبار
د.محمد مختار جمعه
العلــم النافــع
قضية ورأي
يقول الحق سبحانه وتعالي : »هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»‬ (الزمر : 9) ويقول سبحانه : »‬ إِنَّمَا يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ »‬، ويقول سبحانه : »‬يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، ويقول سبحانه : »‬فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »‬مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَي الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ( سنن أبي داود)، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» (سنن الترمذي)، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَي وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتْ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ، وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتْ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا، وَسَقَوْا، وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَي، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَي اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» (متفق عليه).
علي أن قيمة العلم إنما تشمل التفوق في كل العلوم التي تنفع الناس في شئون دينهم أو شئون دنياهم، ولذا نري أن قول الله (عز وجل) : »‬إِنَّمَا يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية، حيث يقول سبحانه : »‬أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»، ويقول سبحانه : »‬إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَي جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».
وقد قالوا التعلم قبل التعبد، ليكون التعبد علي هدي، وقال الحسن البصري (رحمه الله) : العامل علي غير علم كالسّالك علي غير طريق، والعامل علي غير علم يفسد أكثر ممّا يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا تضرّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضرّوا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّي خرجوا بأسيافهم علي أمّة محمّد صلّي الله عليه وسلّم، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم علي ما فعلوا.
فالعلم النافع هو الذي يكون سبيل هدي ورحمة ورشد لصاحبه في أمر دينه ودنياه، ولذا رأينا سيدنا موسي (عليه السلام) يقول للعبد الصالح : »‬هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَي أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا»، وقد قدم النص القرآني صفة الرحمة علي صفة العلم حيث يقول الحق سبحانه: »‬فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا»، فالعلم ما لم يكن رحمة لصاحبه وللناس أجمعين فلا خير فيه.
كما أن المراد بالعلم النافع كل ما يحمل نفعًا للناس في شئون دينهم، وشئون دنياهم، في العلوم الشرعية أو العربية، أو علم الطب، أو الصيدلة، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الفلك، أو الهندسة، أو الميكانيكا أو الطاقة، وسائر العلوم والمعارف، وأري أن قوله تعالي : »‬هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، وقوله تعالي : »‬فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، أعم من أن نحصر أيًّا منهما أو نقتصره علي علم الشريعة وحده، فالأمر متسع لكل علم نافع.
ومما لا شك فيه أننا في حاجة إلي جميع العلوم التي نعمر بها دنيانا حاجتنا إلي العلوم التي يستقيم بها أمر ديننا، ونخلصه بها من أباطيل وضلالات الجماعات الضالة المارقة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف