الأخبار
نوال مصطفى
حبر علي ورق
عيد الأم في سجن النساء
"ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلي من روحي ودمي.. يا حنينة وكلك طيبة.. يا رب يخليك يا أمي". مازلت رغم محاولاتي المتكررة في التماسك وأنا استمع إلي تلك الأغنية " تفلت مني دموعي في كل مرة"! سمعتها مئات المرات علي مدي حياتي، كل مرة كأنها أول مرة. شيء ما في تلك الأغنية العبقرية ينتزعني من أعماقي ويلقي بي في بحر من ذكريات طويلة ممتدة مع أمي رحمها الله. تلك المرأة "الصخرة" التي استطاعت أن تواجه كل صعاب الحياة وما أكثرها، وأن تغرس فينا أنا وأخوتي جميعا قيما ومعاني أصيلة أهمها حب العطاء، والإحساس بالضعفاء، والوقوف إلي جانب البشر الذين لا حول لهم ولا قوة.
يوم الأحد الماضي كان يوما استثنائيا عندي، فهو اليوم الذي أحتفل فيه كل عام بعيد الأم مع أمهات أحببتهن، وصرن جزءا أصيلا ومهما في حياتي، أتحدث عن نزيلات سجن القناطر للنساء، تلقيت دعوة كريمة من اللواء دكتور مصطفي شحاته، مساعد أول وزير الداخلية ومدير مصلحة السجون لحضور الحفل الذي تقيمه المصلحة هناك كل عام.
كان الاحتفال هذا العام مختلفا، ورائعا، حرصت قيادات مصلحة السجون ووزارة الداخلية علي أن يكون حفلا حقيقيا مثل أي حفل يقام في قاعة احتفالات، الفرق الوحيد أنه أقيم داخل السجن. بدأ الحفل بعد وصول كل المدعوين، نواب ونائبات مجلس النواب، نخبة رائعة من نجوم الفن والطرب، ممثلي المجتمع المدني الذين يعملون في السجون، الإعلام بكل قنواته المقروءة والمسموعة والمرئية.
نيللي كريم، نشوي مصطفي، سوسن بدر، سميرة عبد العزيز، أشرف زكي، هالة فاخر، عفاف شعيب شاركوا هؤلاء النساء هذا اليوم الجميل. ما أن بدأ المطرب الشعبي سعد الصغير فقرته حتي اشتعل الحفل بالغناء والرقص والبهجة، رأيت الابتسامة تشرق علي وجوه الأمهات وهن يشاهدن أطفالهن يرقصون مع نغمات الموسيقي وغناء الصغير، وهل هناك شيء يسعد الأم أكثر من رؤية أطفالها مبتهجين، فرحين؟
أغرق في تأمل المشهد الإنساني المشحون بألف معني. اختلاط مشاعر الفرحة بالشجن. فرحة اللقاء بفلذات الأكباد، التشبث باللحظة، تمتزج بالخوف من انتهائها، والفراق. يا لها من محنة إنسانية قاسية ومعذبة. أن تنتزع حريتك وتعيش داخل سجن، حتي لو كان قصرا. يتضاعف الألم عند الأمهات اللاتي يتركن أطفالا صغارا، لا تستطيع الأم هناك أن تطمئن علي وليدها. لا تعرف هل هو بخير، أم أنه ضائع، بائس لا يجد من يهتم به بعدها.
حفل مصلحة السجون كان شيئا رائعا لأنه ساهم في لم شمل الأمهات السجينات مع أطفالهن خارج السجن، كما أدخل البهجة علي قلوب حزينة، وحشد مجموعة من النجوم المحبوبين ليشاركوهن ذلك اليوم الخاص جدا.
عشرات اللقطات الإنسانية المؤثرة تخللت الحفل، سيدة كانت نزيلة بسجن المنيا وابنتها هنا في القاهرة، قدمت التماسا إلي مصلحة السجون بنقلها إلي سجن القناطر حتي تتمكن من رؤية ابنتها، وتحقق لها ما تمنت وكان مشهد لقائها بابنتها مؤثرا، حيث انخرطتا معا في بكاء الشوق والحرمان، وفرحة اللقاء بعد فراق ثلاث سنوات. الأمهات وهن يتسلمن هدايا عيد الأم والتي تم توزيعها في نهاية الحفل، في عيونهن فرحة، ودمعة. الأمل والألم في عناق دائم في هذا المكان.
نيللي كريم التي أنجزت عملا كاملا عنوانه "سجن النساء" كانت حاضرة بإحساسها واهتمامها الحقيقي، تحدثت معهن، وسألتني عن ورشة حياة جديدة التي أسستها لهن من خلال جمعية رعاية أطفال السجينات، بالتعاون مع مصلحة السجون داخل سجن القناطر للنساء، أبدت نيللي رغبة صادقة في التعاون معنا من أجل تسويق وبيع المنتجات التي تنتجها السجينات حتي نخلق لهن فرصة أخري للحياة، بعيدا عن الوصمة الاجتماعية التي تقفل الأبواب في وجوههن، فلا يجدن طريقا للحياة الشريفة، والنتيجة هي أنهن يعدن مرة أخري إلي السجن!
نسيت أن أذكر أن السجينات قدمن عرضا غنائيا رائعا افتتحنه بأغنية "قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه". كذلك قدم شعبان عبد الرحيم مجموعة من أغنياته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف