المساء
مؤمن الهباء
لاتقنطوا من رحمة الله
عندما قرأت مكتوبا علي محراب أحد المساجد الصغيرة هذه الآية الكريمة "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم" انفرجت أساريري . وفلتت مني ابتسامة تلقائية . أحسست أن مسام جسمي كلها تفتحت . وتملكني شعور بأني أبعث من جديد . سبحانك ياربي . كأني أقرأها للمرة الأولي .
لقد مضي علي هذه الواقعة أكثر من عشر سنوات لكني أجد متعة في استرجاعها بين الحين والآخر . وأجد لذة عجيبة في نفسي عندما أسرح مع هذه الآية المعجزة . وأحاول أن أعيش لحظة وقعها الأول علي عقلي وقلبي أمام المحراب . وكيف كان تأثيرها عظيما في كل كياني .
أعرف أن الآية التي تليها مباشرة تقول "وأن عذابي هو العذاب الأليم" لكن إرادة الله عز وجل اقتضت أن تسبق آية الرحمة آية العذاب . وما أحوجنا جميعا إلي رحمة الله كي تعطينا المغفرة والاطمئنان والأمل والتفاؤل . وقد ربط ربنا جل شأنه الرحمة بالمغفرة في ذكر صفاته "الغفور الرحيم" . وربطها بالتوبة "التواب الرحيم" . وربطها بالرأفة "رؤوف رحيم" . وربطها بالمودة "إن ربي رحيم ودود" . وربطها بالعزة "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" . وربطها بالبر "إنه هو البر الرحيم".
وقد أمرنا سبحانه وتعالي أن نتعلق بحبال رحمته . وألا نقنط أو نيأس من طلب الرحمات مهما أسرفنا علي أنفسنا وعظمت ذنوبنا . فهو الذي خلقنا ويعلم مابنا من ضعف . وأبواب رحمته مفتوحة دائما أمام الخطاة والعصاة والمذنبين والشاردين والتائبين والناسكين والمظلومين والمكروبين والمرضي والفقراء والمساكين والمنبوذين . يعطي كلا من هؤلاء من رحماته مايواسيهم ويخفف عنهم همومهم وأثقالهم . فقد وسعت رحمته كل شيء . نعم كل شيء .
ومثلما جاءت الآية المعجزة مبتدئة بفعل الأمر للرسول الكريم "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم" جاءت الآية الأخري مبتدئة أيضا بفعل الأمر "قل ياعبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".
ولعلك لاحظت مثلي أن الأمر هنا يتعلق بـ "عبادي" . فخطاب النبي سيوجه إلي العباد الذين كرمهم الله وأعزهم بنسبهم إليه "عبادي" وهل هناك كرم بعد هذا الكرم؟ وهل هناك شرف بعد هذا الشرف؟
وطالما أقررنا بأنا عباد الله فلا نقنط من رحمته. ولا نيأس من روح الله . ولنتمسك دائما بالأمل والرجاء "ولا تيأسوا من روح الله . إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" . "والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم".
وقد بلغت الرحمة في الخطاب القرآني مداها عندما أخبرنا الله سبحانه "كتب ربكم علي نفسه الرحمة" . وعندما اختصر رسالة نبيه في الرحمة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
فيا أيها المحزونون أبشروا برحمة الله . ما عليكم إلا أن تدقوا الأبواب وتكونوا واثقين بربكم . وستفتح لكم أبواب الرحمات الواسعة . وساعتها سترون العجب العجاب .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف