المصرى اليوم
أسامة غريب
رحلة طيران موجعة
كنت أجلس فى الطائرة المزدحمة أتلفت حولى بحثاً عن صف من الصفوف يكون خالياً أو يجلس به راكب واحد حتى أتمكن من ترك مكانى والفرار إلى حيث أستطيع أن أفرد عمودى الفقرى المضغوط. كانت الطائرة تكتظ بالركاب، ومن الواضح أن شركة الطيران قد ملأت الفراغات كلها بالمقاعد فى هذه الطائرة العملاقة وأزالت الصفوف التى تضم فى العادة ثلاثة مقاعد متصلة لتجعل منهم أربعة، كما قامت بتضييق المسافات بينك وبين المقعد الذى أمامك والذى خلفك لدرجة أن الرجل الذى يعطينى قفاه عندما أمال مقعده للخلف فإنه كاد يطبق على ضلوعى، والأنكى أن مقعدى كان يتوسط الصف، فإلى يمينى راكب وإلى يسارى اثنان. كانت المضيفة تمر لتتأكد من ربط الجميع أحزمة المقاعد، بينما كان حزامى مفكوكاً ليسمح لى بلوى عنقى حتى أستكشف إذا كان هناك خرم إبرة يمكننى الانتقال إليه بعيداً عن هذه الخنقة. سألت المضيفة إذا كان هناك فى الخلف البعيد أماكن خالية فأشارت إلى وجود أربعة ركاب زيادة على عدد المقاعد يجوبون الطائرة بحثاً عن أماكن لهم بعد أن وجدوا أن مقاعدهم قد أخذها آخرون!. لم أصدق نفسى وأنا أنظر لهذه الطائرة التى ركبتها من هذه المدينة الخليجية للذهاب إلى لندن،

ولم أفهم كيف تزعم هذه الشركة لنفسها الريادة وكيف تملأ إعلاناتها الصحف العربية بحسبانها قد حصلت على جائزة الناقل رقم واحد فى العالم لأعوام كذا وكذا وكذا. طبعاً أنا بحكم خبرتى أفهم أن حكاية أفضل شركة طيران لهذا العام هى قصة وهمية، إذ إن بعض المجلات المهتمة بأخبار السفر هى التى ترسى العطاء كل عام على الشركة التى تدفع لها فلوسا أكثر أو تقوم بعمل إعلانات مليونية كثيفة.. ورغم ذلك كله فإننى كنت أعتقد أن الشركة التى تحصل على درجة امتياز بالمجاملة هى على الأقل تستحق درجة جيد فى واقع الأمر، لكن ما أراه الآن لا يمنحها على سلم الإجادة والتميز سوى ضعيف جداً، لأنه حتى شركات أوروبا الشرقية فى ذروة شيوعيتها لم تكن تقلص مساحات الكراسى على هذا النحو المؤلم، وكذلك شركات الطيران منخفضة التكلفة التى صارت تملأ العالم والمعروفة بأنها لا تقدم أطعمة وتتقاضى أجراً عن حقيبة الراكب.. حتى هذه الشركات تسمح بحيز آدمى للتحرك ولا تخرج عن المعيارية المتعارف عليها بخصوص أبعاد الكرسى وطوله وعرضه! المشكلة أن الرحلة إلى لندن من هنا تستغرق حوالى سبع ساعات، وهى مدة كفيلة بأن تكسر عنقى وتدق فقراته المتآكلة. الألعن أن الركاب من حولى قد راح أغلبهم فى النوم بعد أن أقلعت الطائرة ولم يعد بإمكانى أن أخرج إلى الممر لأتمشى وأفرد جسمى.. يا الله.. لقد طلبت من موظفة الكاونتر أن تمنحنى كرسى على الممر وأكدت عليها ذلك، لكن الشريرة تلاعبت بى ومنحتنى مقعداً داخلياً مزعجاً. حاولت أن أسند يدى اليمنى على ذراع المقعد فوجدته مشغولاً، والأمر هو نفسه بالنسبة للذراع على يسارى، الأمر الذى أرغمنى على الانكماش الذى يوجع فقراتى وغضاريفى.. قفز إلى رأسى سؤال قررت أن أشغل نفسى به حتى يمضى الوقت: مَن مِن الراكبين هو صاحب الحق القانونى فى ذراع المقعد المشترك بينهما.. هل هناك من يعرف الإجابة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف