الأهرام
مراد وهبة
الوحش والفريسة
فى زمن الإرهاب ثمة بزوغ لظواهر جديدة فى حاجة إلى تحليل بمفاهيم جديدة تكون مواكبة لذلك الزمان هذا إذا أردنا مواجهة الارهاب مواجهة حاسمة. من هذه الظواهر ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح «الوحش والفريسة». والمقصود بالوحش هنا الإرهابى «الآمر»، أما الفريسة فهى الارهابى «المأمور» بتنفيذ عملية قتل البشر. وحيث إن كلا من لفظى الوحش والفريسة منقول من عالم الحيوان إلى عالم الانسان فالسؤال اذن:

هل ثمة فارق بين العالميْن؟ فى عالم الحيوان الحيوانات تأكل بعضها البعض. ومن هنا نقول إن هذا الأكل ينطوى على قسوة، مقصدها الاحساس بالمتعة واللذة. والحيوانات، فى هذا الإحساس لا تشعر بآلام الآخر وهى تقتله لأن القتل، فى هذه الحالة، هو فعل من أفعال الغريزة، أى أنها «مبرمجة»، وبالتالى تكون عاجزة عن التطور إلى الأفضل لأنها سجينة البرمجة. أما الانسان فعلى الضد من الحيوان، ومجتمعه ليس على غرار المجتمع الحيواني، إذ هو مجتمع متغير، وهذا التغير يعنى أن الانسان حر فى اختيار أفعاله. ولكن إذا قلنا إنه متغير فإننا، فى هذه الحالة، لا يمكن أن نتحدث عن طبيعة بشرية محكومة بالغرائز. وفى هذا المعنى يقول زعيم الفلسفة الوجودية جان بول سارتر فى كتابه المعنون «الوجودية نزعة انسانية» إن الانسان حر فى اختياراته لأنه غير محدد بطبيعة معينة منذ مولده حتى موته. وهو فى هذا السياق يقول إن الانسان مشروع وهو من غير هذا المشروع هو لاشيء. وحيث إن المشروع رؤية مستقبلية فمعنى ذلك أن الانسان يلقى بنفسه فى المستقبل، وهو فى تلك العملية يكون مسئولاَ مسئولية كاملة عن وجوده. إلا أن الانسان وهو يختار لنفسه إنما يختار للبشر أجمعين. ويترتب على ذلك أن الانسان حر بالضرورة، وبالتالى فإن مصيره يكون فى يده. إلا أن هذا المصير مرهون أيضا بمصير الآخرين. وهذه هى الفكرة المحورية فى فلسفة سارتر. ومع ذلك فاللافت للانتباه أن هذه الفكرة قد تبناها من قبل سارتر الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو فى كتابه المعنون «مقال فى أصل التفاوت بين الناس» وفيه يميز بين الأصيل والصناعى فى الطبيعة الراهنة للانسان، ويقصد بالأصيل حال الطبيعة حيث كان الانسان متوحداً فى الغابة ولهذا كان يرى نفسه حراً فى الانقياد لدافع الطبيعة أو مقاومته، وبالتالى كان يشعر بأنه كامل وسعيد. وكذلك كان كل انسان مساوياً لكل انسان. وبعد ذلك تساءل روسو: كيف خرج الانسان من حال الطبيعة؟ اضطرته أسباب طبيعية مثل البرد القارس والفيضانات والزلازل إلى التعاون مع غيره من بنى البشر ولكن كان يتخلل هذا التعاون حالة من التوحش بسبب غياب القانون الذى هو شرط الحالة المدنية. وعندما ابتدع التكنيك الزراعى زداد التعاون ولكن مع تقسيم العمل ازداد التفاوت وتفاقم الخصام ومن ثم نشأ الأغنياء والفقراء ونشأ معهما القانون المنظم لهذه القسمة الثنائية الجديدة. وأظن أننا نمر الآن بهذا الزمان حيث يشيع الارهاب، إلا أن هذا الارهاب لن يتحقق إلا إذا أصيب المجتمع بالتخلخل، وقد كان، إذ حدث هذا التخلخل فى عام 2012 عندما استولت جماعة الاخوان المسلمين على الحكم بعد أن تغلغلت فى جميع مؤسسات الدولة وفى مقدمتها التعليم فنشأ جيل من الشباب تربى على أنه مسئول عن نفسه وعن الآخرين ولكن فى اتجاه معاكس لما كان يدعو إليه كل من روسو وسارتر، وهو الاتجاه الانتحارى حيث ينحر نفسه وينحر معه آخرين، هو إلى الجنة والآخرون إلى النار، ومدعم فى ذلك بمفهوم عن إله هو أيضاً متوحش. وهذا «الاله المتوحش» هو العنوان الرئيسى لكتاب من تأليف مفكر انجليزى اسمه ألفاريز صدر فى ست عشرة طبعة 1982. أما العنوان الفرعى فهو «دراسة فى الانتحار».

والرأى عنده أن ثمة شرطين للانتحار: أن يحيا القابل للانتحار فى عالم مغلق وخانق ودون مخارج، ومحكوم بقوى لا يقدر على ضبطها لأن وراءها إلها قيل عنه فى الأساطير إنه عندما كان على كوكب الأرض كان يحرض الناس على الحرب ويخلق العداوات. ولهذا السبب كان يقال عنه إنه مكروه من الكل. والمغزى أن الانتحارى أيا كانت هويته مرهون بمفهوم معين عن الله، ويلزم من ذلك أن يكون الانتحارى الارهابى فى القرن الحادى والعشرين مرهونا هو الآخر بمفهوم معين عن الله. وبناء عليه يلزم أن يكون تجديد الخطاب الدينى فى زمن الارهاب مشروطا بتناول مفهوم الله فى سياق علم عقائدى جديد يمتنع معه بزوغ الارهاب. وإذا كان الارهاب على نحو ما أرى هو أعلى مراحل الأصوليات الدينية فيلزم من ذلك نقد هذا العلم الجديد لهذه الأصوليات. أما إذا تذرعنا بأن الأصول لن تكون موضع نقد فالإرهاب متواصل ومن ثم تصبح الحضارة ذاتها فى خطر لأنها ستكون محكومة بالوحش والفريسة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف