الأهرام
القمص أنجيلوس جرجس
العالم لوحة للدمار والموت
منذ أن قتل هابيل على يد أخيه والبشرية تعانى شهوة الدم والقتل، من فساد النفوس التى لأجل مصالح مادية أو ذاتية تدوس بوحشية على الأبرياء، لتدمر أوطاناً طمعاً واستحلالاً لما قسمه اللـه لكل شعب من الشعوب كى تحيا فى سلام وأمان.

ولكن كيف يعيش العالم فى سلام والإنسانية لا تزال تحمل ما فيها من أشخاص استطاعوا أن يجلسوا على عروش بلادهم، وبدلاً من أن ينشروا السلام ويقودوا شعوبهم إلى الحب وجهوا كل طاقتهم إلى تحقيق أطماع شخصية حتى وإن كان هذا على حساب شعوب أخري. فالعالم الذى رسمه اللـه بريشة الحب، ولونه باللون الأخضر للنماء، واللون الأزرق للماء، وكواكب ونجوم تنتشر فى السماء، تلون الآن بلون الدماء، وتسمع فى كل العالم صرخات الأطفال ولا عزاء، وكأن عالمنا اليوم هو لوحة للدمار والموت.

فى كل يوم نرى جيوشاً معادية تدمر حضارات ومدنا وبيوتا لا لشيء سوى شهوة الاحتلال والطمع، حتى بلادنا المحبوبة لا تزال تعانى تلك الأطماع رغم أننا نسالم ونحب ونصنع الخير. وحين دخل جيشنا العظيم إلى سيناء ليطهرها من الإرهاب وجد هذا الكم الهائل من أدوات الدمار التى كانت معدة لتدميرنا. وكأن حياة الشعوب بلا ثمن، وكأن دماء الأبرياء ليس لها قصاص.

فمن أرسل الإرهابيين إلينا وإلى بلدان أخرى لم ير فى حسبانه حياة الشعوب التى تموت، والأمهات اللاتى سيصرن ثكلي، ولا الأطفال الذين وإن عاشوا سيعيشون بلا روح لأن الحرب سرقت أرواحهم. وهؤلاء الذين يخططون لهلاك الشعوب ما هم إلا مرضى تجردوا من مشاعر الإنسانية، فقديماً ولأجل المطامع الشخصية أشعل هؤلاء حروباً سقط فيها سبعون مليون شخص ما بين عام (1914 ــ 1945 م.).

ولكن من أكثر المشاهد مأساوية فى عصرنا ما حدث فى اليابان يوم السادس من أغسطس 1945 م. كانت مدينة هيروشيما هادئة وشعبها مسالم إلى أن ألقى الأمريكان عليهم قنبلة ذرية حولت المدينة إلى كتلة نار ودمرت المدينة بالكامل. وبينما هؤلاء يموتون ويذبحون كان الرئيس الأمريكى «ترومان» على ظهر السفينة أوجستا راجعاً من أوروبا وجاء إليه الخبر لقد نجحت القنبلة الذرية، وهلل «ترومان» فرحاً وقال لمن حوله: «هذا أعظم شيء فى التاريخ لقد انتصرنا فى المقامرة». تصوروا حياة البشر ودماء الأبرياء عنده مجرد مقامرة. ثم قام واحتفل بمشاهدة حفل راقص. لقد كانت مأساة بشر عنده سبباُ للاحتفال.

والغريب أن تلك الأمم التى تتشدق الآن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على مدى تاريخها احترفت الفناء والدماء والتدمير. ففى بداية تاريخ أمريكا تاريخ دموى وعدائى للشعوب فقد أبادوا ثمانية عشر مليون إنسان هم السكان الأصليون فى أمريكا دون سبب. فقد كان يمكنهم العيش معاً. ولكنهم أرادوا أن يكونوا هم فقط ولا أحد غيرهم. واستخدموا أسوأ أنواع الإبادة البشرية. فقد عاشوا بمنطق الوحوش، من يملك قوة القتل يملك السيطرة، فالدم هو القوة، والسلاح هو القوة، والضعيف هو من لا يقتل الآخر. وأحياناً يكون القتل باسم الإنسانية تصوروا فقد كانت هيئات أمريكية ترسل بطاطين للعراة والفقراء ملوثة بأمراض قاتلة، وكانوا يحتفلون يومياً على جثث القتلى الأبرياء.

وفى فيتنام ظلوا عشر سنوات يقتلون فى هذا الشعب الضعيف، قتلوا مليون ومائة ألف، وألقوا قنابل كيماوية، وتركوا ثلاثة ملايين مشوه، ثم خرجوا منها، لماذا قتلوا وما ذنب القتلي؟! لا شيء سوى لأجل السيطرة.

ونشرت ثقافة القوة والهمجية، وصارت الدول فى سباق للتسلح إما خوفاً منها أو انضماماً لها. وانتشر المرض عند رؤساء الشعوب الأخري. وأحياناً يكون هناك غطاء إنسانى أو دينى للعمليات الهمجية والقتل، هكذا علمتهم أمريكا اقتل باسم القيم.

وفى تركيا فى بداية القرن الماضى باسم الدين أبادوا الأرمن والسريان، ذبحوا وصلبوا مليون ونصف المليون أرمنى ونصف مليون سرياني. غير الذين شردوا وماتوا من الجوع فى الصحاري. وكانوا يقولون للشعب «اقتل مسيحياً تدخل الجنة».

وفى أيامنا وبيننا أشرار يحملون نفس الصورة، تلاميذ تعلموا البلطجة فى نفس المدرسة، وحفظوا الدرس جيداً، احمل سلاحاً، اقتل شعبك، اجعله يخاف منك، تستطيع أن تسيطر عليه. فساروا فى الشوارع يبحثون عن ضحايا، كوحوش تبحث عن فريسة، لا يشغلهم صرخات الأبرياء، ولا يؤثر فيهم بكاء الأطفال وتوسلاتهم.

والغريب أن هؤلاء يفعلون هذا تحت غطاء مجموعة أخرى أنيقة تعلمت كيف تبرر الجرائم، ينتمون لكيانات أخرى لها مسميات ضميرية، مثل حقوق الإنسان والعدل والرحمة. ولكن هؤلاء لا يدافعون عن حقوق أى إنسان، إنما يدافعون عن حقوق أتباعهم فقط، وكأنه لا توجد إنسانية فى العالم سواهم والباقون ليس لهم حقوق.

فالعالم يدار بهؤلاء، يدار بالقوة والهمجية، حتى وإن تستروا تحت مسميات حقوقية أو دينية. فالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ونصرة الدين، هذه كلها شعارات دخلوا بها العراق، ليبيا، تونس، وسوريا. وكانت خطتهم ستنجح فى مصر لولا إرادة اللـه والشعب والجيش وقيادة الرئيس الذى كشف كل مخططاتهم وأفسدها.

ولا يزال هؤلاء يجلسون على عروشٍ وتحت أيديهم آلات الدمار تحت سمع وبصر كل البشرية، ولا عزاء للقيم والحضارة والصدق والإنسانية. فلتذهب الحضارة إلى الجحيم، وليصمت الفلاسفة، فلا حق ولا جمال ولا خير طالما هؤلاء هم قادة الشعوب. ولتحرق كتب الأدب فلا أدب ولا أخلاق معهم. وتغلق متاحف الفن، فلا قيمة للجمال مع سلوك الوحوش، الذين لا يطربهم إلا صوت الصراخ، ولا يجذبهم إلا لون الدم وأشلاء الجثث، فموت الشعوب عندهم بلا ثمن. لنعيش نحن فى كل يوم قصصاً دامية، ودماء وأشلاء، ودموع أمهات، وصراخات أطفال، وتمتلئ جدران بيوتنا بصور الشهداء، وتتحول أثواب العرس إلى أثواب العزاء. يا إلهى نصرخ إليك أن تحكم أنت وتحرر العالم من تلك الوحوش.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف