قضية ورأي
الوفاء نعمة من أفضل النعم التي يمن الله بها علي عباده المخلصين، ولقد امتدح سبحانه وتعالي به أبا الأنبياء سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، فقال سبحانه: »وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي» وامتدح به سيدنا إسماعيل (عليه السلام)، فقال سبحانه: »وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا»، بل إن النص القرآني الكريم قد قدم الوصف بصدق الوعد علي الوصف بالنبوة والرسالة، تأكيدًا علي عظمة وخصوصية هذه الصفة الكريمة، صدق الوعد والوفاء بالعهد. وقد أمرنا سبحانه بالوفاء بالعهود والعقود والأمانات، فقال سبحانه: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، وقال سبحانه: »وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»، وقال سبحانه: »إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً»، ونهانا سبحانه عن خلف الوعود ونكث العهود وخيانة الأمانات، فقال سبحانه: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»، وقال سبحانه: »وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَي مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
ويبين لنا نبينا (صلي الله عليه وسلم) أن خلف الوعد ونكث العهد وخيانة الأمانة من أخص صفات المنافقين، فقال: »آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»، وقال (صلي الله عليه وسلم): »أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّي يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، وقال (صلي الله عليه وسلم): »لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ»، وقال (صلي الله عليه وسلم): »الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ»، ولما أذن له (صلي الله عليه وسلم) بالهجرة من مكة إلي المدينة ترك ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ليرد الأمانات إلي أصحابها، وكان (صلي الله عليه وسلم) أوفي الناس وأكرمهم لأصحابه وأزواجه والناس أجمعين، فقد كانت عجوز تأتيه (صلي الله عليه وسلم) في بيت عائشة فكان (صلي الله عليه وسلم) يهش لها ويكرمها ويقول: »إنها كانت تأتينا علي عهد خديجة»، وقد ضرب لنا القرآن مثلا فيه متعظ كبير، حيث يقص علينا الحق سبحانه قصة من عاهد الله لئن أتاه من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين، فلما أنعم الله عليه ومَنّ عليه بالفضل والعطاء الوفير انقلب علي وجهه، فخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، حيث يقول الحق سبحانه مصورًا ذلك في سورة التوبة التي فضحت وكشفت النفاق والمنافقين: »وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَي يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ».
وقد علمنا ديننا الحنيف أن نكون أوفياء لكل من يسدي لنا جميلاً أو معروفًا، فقال (صلي الله عليه وسلم): »مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّي تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم): »لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ».
فما أحوجنا أن نعود إلي ديننا وقيمنا وأخلاقنا، وفاء بعهودنا، وعقودنا، وأماناتنا، ووفاء لمن أحسن يوما إلينا، أو قدم لنا معروفًا، ويدخل في هذا الباب الوفاء لمن يسهر علي أمننا واستقرارنا وحمايتنا وحماية وطننا، فتحية وفاء وتقدير لرجال جيشنا الوطني وشرطتنا الوطنية الساهرين علي أمن الوطن وحمايته، تحية إجلال ووفاء وتقدير لكل مخلص لهذا الوطن، يعمل علي أي جبهة من جبهاته لتحقيق نهضته ورقيه وازدهاره واستعادة أمجادنا العظيمة.
إن الوفاء شيمة من أهم شيم الكرام، وقد قالوا: »إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا... من كان يألفهم في الموطن الخشن»، والغدر من صفات اللئام، وقد قالوا: ثلاثة تعجل لها العقوبة في الدنيا: الغدر واليمين الكاذبة ورد المعتذر خائبًا، وفي الحديث الشريف: »إنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ له لِوَاء يوم القيامة، فيقال: هذه غَدْرَةُ فلان».