فيتو
محمد حسن الألفى
موسم الاحتفال بالكراهية!
نحب عيد الحب الأمريكي أكثر مما نحب عيد الحب المصري، الأخير في نوفمبر والأول في فبراير، والحقيقة أننا نحب هوجة الحب أكثر من الحب ذاته، أي أننا نسجل حضورًا في مناسبة عالمية، وهكذا تضرب الشوطة في البلد وتلهب قلوب الناس حبًا وعطفًا ووردًا، و"دباديب"، ولا يخلو اليوم من نكد بسبب المعايرة والمباكتة ولوية الرقبة ومد البوز وإطلاق تنهيدة التحسر وفتح الدفاتر القديمة أو إمساك الموبايل وضبط رسالة حب وموعد على سهرة حمراء أو برتقالية!

تجارة الحب في مصر شكلية، ظاهرية، مصطنعة، وهي صارت ظاهرة فيس بوكية وتويترية أكثر منها ذلك الشجن العميق، وتلك الأحضان الصادقة، واللقمة الحلوة المشتركة والغنوة الرومانسية ومع ضوء الشموع.. انتهى ذلك كله انتهى، فالحب في بلدنا من الذكريات، بل انقلبنا من التباغض فيما بيننا إلى نزوع نفر بغيض نحو كراهية الوطن والاتجار به.. من قبل يوم أمس، الرابع عشر من فبراير، والمصريون يعيشون حالة الحب على طريقة القديس فالنتين، ومعظمهم لا عارف من هو ولا حتى عارف يكتب الاسم..

لكنه بالنسبة لناس كثيرين يعني أنه اليوم الذي يحمل فيه وردًا وهدية ويقدمه لحبيبته وزوجته، وغالبًا حبيبته أكثر من زوجته، وغالبًا زوجته أكثر من أمه، وهكذا، هكذا تروج تجارة القلوب الحمراء القطيفة ومعها الدبدوب البني مع البيج، أو الأسود مع الأحمر، ولكن القلوب الحقيقية ذاتها راكدة، راقدة، بل هامدة، أو آسنة بالقلوي والحمضي من المشاعر.

أحيانا نتلكك لكي نختلق حالة سعادة، وهذه ضرورة نفسية لاستعادة التوازن، بل أحيانا نكافئ أنفسنا ذاتها بهدية جديدة، أو سهرة أو نزهة أو عربدة سريعة بريئة، مع أنه لا توجد براءة مع العربدة لكن هذا ما نبرر به نقح الضمير وزناته! السعادة إذن يمكن أن نختلقها لكن الحب لا يمكن اختلاقه، فهو يهجم عليك، هو يغزوك، هو يدخلك، يحتلك، تستسلم، يفرض شروطه وانت له صاغر مطيع راغب بل سعيد.

وأظن أن هذه هي حالة الاستعباد الطوعي الوحيدة في حياة الرجل والمرأة منذ عرفت البشرية دقة القلب، دقة الحب، التي بعدها ومعها تتدفق أفيونات المخ، وتشيع في الروح انسجامًا وفي الجوارح نعومة ومؤانسة، ويتحول الإنسان من صقر إلى حمامة، تلك أيام مضت.

فما نراه اليوم، في مكاتب العمل، وفي العلاقات الإدارية، وفي الصلات الاجتماعية، وفي الشوارع، ليس إلا نوعًا من أنواع التحفز والتوفز والرغبة في القتال، واستمتاع غريب بإلحاق الأذى بالناس، على الطرق السريعة وداخل البلد، في أي محافظة، تنطلق السيارات كالوحوش، تريد الفتك ببعضها البعض، وينسى كل واحد أنه سيقتل روحًا آدمية، ويحسب أنه يصارع هيكلا من الصاج يتحرك بموتور.

والباعة ينفجرون في المشترين، لو ضبطوهم يغشون، بل انظر كيف نتكلم.. نحن في الحقيقة نصيح ونزعق، ونجعر، ومع الاختلاف في الرأي، سوف نتبادل الاتهامات بالانتساب إلى أب حمار أو أم حمارة أو فينا جين الغباء، أو الخيانة!

أين مفردات زمان: اتفضل يا أستاذ
اتفضلي يا هانم
عن إذن حضرتك
نهارك سعيد
ممكن لو سمحت
لا والله أبدا بعدك مش قبلك

مودة وحب من القلب، دون دبدبة ودباديب، وزيف، وخداع، ومسايرة لأعياد أمريكية صنعت أساسًا لخلق رواج اقتصادي عندهم.. كيف نحتفل بما لا نحمله؟ كيف نحتفي بكراهية وبغضاء وندعي أنها حب!
الحب لا يحتمل الزيف، والكراهية لا تحتمل الزيف.. ليس بالدباديب والزهور والقلوب المخملية تدفنون الكراهية.. أحبوا أولا ثم احتفلوا!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف