الأهرام
جمال زهران
«الناصرية».. مرجعية العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى
يمثل العام 2018م، ذكرى مرور (100) مائة عام على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر، ولم أجد الغالبية العظمى من جماهير شعب مصر بل والشعوب العربية فى جميع الأقطار، قد احتفت من قبل بزعيم عربي، مثلما احتفلت به. فمازالت هذه الأغلبية وفيضانها تتذكره وتتفاعل مع أفكاره ومقولاته التى أضحت خالدة، بل وتستحضره فى كل موقف وحدث. كما أن الجديد فى الأمر ذلك التوحد فى الاحتفالية بالمئوية، بين الفئات الناصرية وبين الدولة الرسمية فى مصر، حتى أنه أضحى حدثًا قوميًا ووطنيًا. فقد رعت الاحتفالية وزارة الثقافة، بل وألقى رئيس الدولة عبد الفتاح السيسى كلمة موجزة ومعبرة ولها دلالات، صباح يوم الاحتفالية. كما فتحت وزارة الثقافة متحف الزعيم جمال عبد الناصر بالمجان، وفتحت أبواب الأوبرا وقاعات الوزارة فى مركز الإبداع والمجلس الأعلى للثقافة والهناجر، ومسارح الأوبرا، لتنظيم الاحتفاليات والندوات، ولاشك أن ما حدث فى هذه الاحتفالية كان لافتًا للنظر، ويرقى لأن يكون حدثًا قوميًا ووطنيًا بامتياز، وعليه وحوله التفت قلوب الشعب المصرى والعربي. وفى تقديرى أن ثورة 23 يوليو، وهى الثورة الأم لثورتى 25 يناير، 30 يونيو، وبمبادئها الستة الشهيرة (3 هدم + 3 بناء)، من قضاء على الإقطاع والرأسمالية والاستغلال والاستعمار، إلى بناء جيش وطنى قوى وعدالة اجتماعية حقيقية، وديمقراطية سليمة تعبر أو تكون وسيلة لتمكين الغالبية من التعبير والمشاركة والتشارك فى الحكم، فى مواجهة مجتمع النصف فى المائة الذى كان يحكم مصر قبل 23 يوليو 1952م. وفى هذا الإطار، فإننى أرى أن ركيزتى الثورة الأم، هما: العدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني. فبإقرار عبد الناصر نفسه فى فلسفة الثورة، أشار إلى أن الشعب لم يتفاعل مع حركة ضباط الجيش فى 1952، ولا مع مطالبها، وظل يراقب المشهد والأحداث ويعطى نفسه الفرصة للفهم والإدراك والفرز لمن يطرحون أنفسهم فى الصدارة. وقد اندهش عبد الناصر فى البداية وتصور أنهم بمجرد أن يتحركوا سينطلق الشعب لكى يحملهم على الأعناق، وهو ما لم يحدث فورًا، لكنه أدرك أن الشعب المصرى بعبقريته الجمعية ومخزونه الحضارى وقد توافدت عليه غزوًا واحتلالاً، عشرات الأمم، انتظر وراقب، حتى صدرت قرارات الثورة بالإصلاح الزراعى فى التاسع من سبتمبر 1952م، بعد 48 يومًا بالضبط من قيام الثورة، كان الشعب فيها يقف على الخط مراقبًا. وكان ذلك الحدث هو بداية التعانق الحقيقى بين الشعب وحركة الجيش المباركة، التى أضحت ثورة حقيقية منذ تلك اللحظة، وعرف الشعب من هؤلاء الذين يطرحون أنفسهم لتغيير الواقع المجتمعى للشعب المصري، وإعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة التى يتوق لها الشعب ويتطلع بشغف إليها لترجمتها واقعًا حقيقيًا يؤكد إرادة الأمة؟ إذن أدرك عبد الناصر، أن مفتاح الشعب هو تحقيق العدالة الاجتماعية، وما لم تتحقق بوضوح وبانحيازات للأغلبية، فإن الشعب لن يؤيد حركة الضباط، فكان القرار الحاسم، وكان المقابل هو التفاف الشعب حول الثورة بزعامة جمال عبد الناصر الذى أصبح رمزًا للعدالة الاجتماعية.

لذلك لم يقف الشعب عند أفكار العدالة الاجتماعية وتطبيقها، بل والتزام عبد الناصر بها فكرًا وواقعًا وسلوكًا وهو ما يجعله قدوة للاحتذاء. وبمرور الوقت، لم تثبت واقعة واحدة تناقض فيها عبد الناصر، رغم حملات التشويه الممنهجة أيام السادات وغيره، والتى لم تؤثر مطلقًا على مكانة وشعبية عبد الناصر، رغم مرور (47) عامًا على رحيله فى 28 سبتمبر 1970م.

أما الركيزة الثانية فهى «الاستقلال الوطنى». فقد حرك الزعيم ناصر مشاعر العزة والكرامة والزهو بالشخصية المصرية والعربية، وكان حدث عقد صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955م، ومن قبل البدء بجلاء القوات الإنجليزية عن مصر وإعلان استقلالها، ثم تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956م، ثلاثة أحداث كبرى، استدعت العدوان الثلاثى على مصر، وكانت على يد عبد الناصر الهزيمة الشعبية الكبرى لهؤلاء فى 23 ديسمبر 1956م. وليس من غريب أن الرجل وقعت فى عهده نكسة 1967م العارضة، ووقف يقول لا للاعتراف بإسرائيل، لا للمفاوضات. ولا صلح، إلا بتحرير كل فلسطين والأرض المحتلة وما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، ومع ذلك رفض الشعب تنحيه فى مظاهرات حقيقية، وأجبروه على التراجع ليترك مصر مستعدة لحرب التحرير، ولعل جنازته التاريخية عام 1970م خير شاهد، وتظل الناصرية مرجعية بالعدالة، والاستقلال الوطنى بلا جدال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف