الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
«معانا جنيه معانا جنيه».. عن معرض الكتاب
إنها المناسبة الثقافية الأجمل منذ تسعة وأربعين عاما. لم أتخلف عنها أبدا رغم أني حين بدأ معرض الكتاب وكانت ترأس هيئة الكتاب ذلك الوقت الدكتورة سهير القلماوي ويرأس الوزارة ثروت عكاشة. كنت أعيش في الإسكندرية. كنت أركب قطار الدرجة الثالثة وآتي إلي القاهرة معي عشرة جنيهات وأبيت عند بعض أصدقاء الدراسة بالإسكندرية الذين يكملون تعليمهم في القاهرة. كنت آتي ومعي عشرة جنيهات وأعود ومعي كنز من الكتب فلم يكن هناك كتاب يزيد سعره عن خمسة وعشرين قرشا تقريبا. لن أتحدث عما جري في أسعار الكتب فذلك جري في أسعار كل شيء لكن أتحدث عن المعرض الذي كان قديما يقام في منطقة الجزيرة مكان دار الأوبرا الآن ثم انتقل منذ الثمانينات إلي مكانه الحالي الأكثر اتساعا. مع الوقت أضاف الدكتور سمير سرحان رحمة الله عليه حين كان رئيسا لهيئة الكتاب الأنشطة الثقافية المختلفة إلي المعرض. ومع الوقت أيضا اتسعت هذه الأنشطة إلي درجة لم يعد ممكنا متابعة معظمها بسهولة. كانت في البداية مركزة في المقهي الثقافي الذي أوكل إليّ سمير سرحان مهمة إدارته حين كنت أعمل بوزارة الثقافة وفي المبني الرئيسي أو قاعة المؤتمرات. كانت المقهي الثقافي للأدب وقاعة المؤتمرات لغيره مثل السياسة والتاريخ وغيرها حتي المواجهات الفكرية التي في إحداها استطاع المرحوم المفكر فرج فودة التصدي للشيخ محمد الغزالي فكريا فانتهي الأمر بمقتل فرج فودة بعد أيام بعد أن تم تكفيره. أحداث كثيرة تحتاج كتابا كبيرا أو عدة كتب من الذكريات. ابتعدت عن كل عمل ثقافي رسمي تقريبا منذ عام 2000 وابتعدت نهائيا بعد ثورة يناير معلنا أن هناك جيلا جديدا عليه أن يقود الحياة في كل ميادينها. تفرغت لأعمالي الأدبية أكثر من كل وقت ومازلت أحمد الله أنني لم استمر في منصب ثقافي يعطلني أبدا عن الكتابة التي هي حياتي وروحي. لكني لم انقطع عن زيارة المعرض أبدا. رأيته وهو يزداد سوءا بعد أن تم هدم كل قاعاته تقريبا بحجة الاستفادة من المكان والبحث عن مكان آخر للمعرض. لم يتم تحديد مكان آخر ونسمع أنه سيكون في التجمع الخامس فيما بعد وهو مكان طبعا بعيد جدا عن كل الناس والحمد لله أن ذلك لم يتم بعد. لماذا لا تقرر الدولة بقاء المعرض في مكانه وإعادة بناء صالات تليق بالكتب والكتاب ؟ تليق بما يسمونه بالثقافة الناعمة شعار المعرض هذا العام والتي هي تقريبا الشيء الوحيد الذي تمتلكه البلاد. ما هي الفائدة أن يظل المكان علي حاله البائس من أرض متربة وخيم حين تمطر السماء تغرق الكتب فيها ولقد حدث هذا قبل الافتتاح بيومين والناشرون يجهزون أماكنهم. لماذ لا يذهب من يفكر في استثمار المكان بعيدا وتقرر الدولة إعادة إعمار المكان ليكون جديرا بالثقافة المصرية التي لا يعرفنا العالم إلا بها. إلي جانب بؤس المكان الآن فالأحداث تجعل الأمن زائدا في عدم السماح بركن السيارات إلي جانب سور المعرض خاصة من ناحية شارع صلاح سالم وداخل المعرض تنسد كثير من الطرق أمام حركة السيارات كنوع من الأمن والتأمين أيضا. كل هذا البؤس بينما تظل أعداد الزائرين للمعرض في ازدياد مذهل تجاوز في أسبوعه الأول الخمسة ملايين من الزائرين. أليس هذا مؤشرا علي قوة جذب الثقافة رغم إنه عمليا لا يشتري كل من يذهب كتبا بل أن الكثيرين يذهبون للفسحة مع أولادهم أو أصدقائهم لكن فسحة بين الكتب أمر جميل في نفس الوقت لأنها ستبقي في أذهان الأطفال خاصة وأن المعرض به صالة كبيرة لأنشطة الأطفال والفنون الخاصة بهم. هذه الأعداد الرهيبة ألا تقول للدولة أن أرض هذا المعرض يجب أن تكون أفضل من ذلك وألا يتم نقله منها أبدا فالمكان يتوسط القاهرة والجيزة الآن. ورغم هذا كله استطاعت هيئة الكتاب تنظيم الأعمال من ندوات واحتفاليات وغيره بشكل رائع هذا العام. وإن كنت أرجو أن يقل عدد الندوات فليس معقولا أن تقام أمسيات شعرية بها أكثر من مائتين وخمسين شاعرا. وإذا كان ضروريا ارضاء كل الناس فليست هذه مهمة المعرض. المعرض يهتم بالجديد شكلا وموضوعا وعليه أن يخرج من أي روتين. والأمر يقاس علي غير الأمسيات الشعرية من ندوات ومن يزعل اليوم لن يزعل غدا. علي أيّ حال من ألطف ما حدث هذا العام وجود فرقة موسيقية تغني طول النهار، سمعتهم يغنون أغنية »معانا ريال»‬ الشهيرة للطفلة فيروز مع أنور وجدي في فيلم »‬ياسمين» زمان. سمعتهم يقولون معانا جنيه معانا جنيه. ضحكت وقلت حال الأغنية بعد التعويم. والحقيقة أن ريال زمان يساوي الآن مائتي جنيه وأكثر. وكل عام والقوة الناعمة بخير.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف