بوابة الشروق
خالد سيد أحمد
المرتبكون!
اذا جاز لنا وصف حال مصر فى اللحظة الراهنة، فإن التوصيف الأدق هو «الدولة المرتبكة»، التى لا تعرف طريقها وتتعثر فى خطواتها، ويعتريها القلق الدائم من قادم الأيام، ويكتنف الغموض مستقبلها السياسى، والارتباك هنا ليس مقتصرا على طرف واحد من أطراف المشهد، وانما تتسع مظلته لتشمل الجميع.

الارتباك لم يكن وليد اللحظة، لكنه بدأ بعد اكتمال بدر ثورة الـ 18 يوما فى يناير 2011، وظل مرافقا للأحداث والتطورات التى شهدتها البلاد حتى يومنا هذا، وان كان بدرجات متفاوتة، لكن فى مشهد الاستعداد للاستحاق الرئاسى المقرر فى مارس المقبل، كان واضحا وكاشفا وفاضحا لمقدار التشوش الذى أصاب الجميع.

فى الساعات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وجدت الدولة نفسها فى مأزق كبير، اذ لم يتقدم أحد لمنافسة الرئيس السيسى على المقعد الأرفع فى البلاد، بعدما تم إخلاء الساحة من أى منافس قوى وجاد، سواء بوضع العراقيل أو بالضغوط والطرق الخشنة، وهنا خيم الارتباك على الدوائر القريبة من السلطة، التى سارعت إلى البحث عن «محلل» يؤدى دور الوصيف فى الاستحقاق القادم، من أجل «تجميل صورة» البلاد التى تضررت من تداعيات هذا المشهد غير الديمقراطى، والمثير للسخرية والتهكم داخليا وخارجيا.

البوصلة اتجهت فى البداية إلى الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، وظهرت ملامح قبول بـ«الدور»، من أجل «مصالح مصر العليا»، الا ان الرد جاء صاعقا من بهو الحزب العريق بهتافات الوفديين «دى مسرحية»، فانصاعت الهيئة العليا للحزب على الفور، ورفضت طرح مرشح فى الانتخابات الرئاسية.

لكن هذا الرفض ضاعف ارتباك تلك الدوائر، ودفعها إلى التصميم على ايجاد «محلل» بأى طريقة، حتى تمكنت من اقناع موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد بهذه «المهمة الوطنية»، وإمداده على الفور بـ 20 تزكية من نواب البرلمان «الغيورين على مصلحة مصر»، ليتمكن من تقديم أوراقه قبل إغلاق باب الترشح بـ 20 دقيقية فقط!.

الإعلام الذى يدور فى فلك السلطة، أصابته حالة الارتباك عندما اكتشف عدم وجود مرشحين فى الانتخابات قبل إغلاق الباب بأيام قليلة، فبدأ البعض يروج إلى ان هذه الحالة «حصلت قبل كده»، فيما سارع آخرون إلى اتهام الأحزاب بأنها كرتونية وليس لها وجود فى الشارع وغير قادرة على الدفع بمرشحين، بينما انتابت البعض «نوبة شجاعة»، لينتقد الوضع القائم وينتهى إلى «نعى السياسة التى ماتت فى البلد»، متناسيا دروه الأصيل فى تعميق ظاهرة «الصوت الواحد»، عبر حملات التشكيك والذم والقدح والتشويه، لكل من يرغب فى المشاركة أو حتى لديه رؤى مخالفة لما يتم اتخاذه من سياسات وقرارات!.

قوى المعارضة كانت أيضا فريسة لحالة الارتباك المسيطرة على المشهد، وسارعت سواء من خلال البيان المشترك لعدد من المرشحين السابقين لانتخابات الرئاسة، أو عبر الاجتماع الذى ضم 8 أحزاب تشكل قوام الحركة المدنية الديمقراطية، إلى دعوة «جموع الشعب لمقاطعة الانتخابات الرئاسية كليا، وعدم الاعتراف بأى مما ينتج عنها»، كما طالبت المواطنين بالاستجابة لحملة «خليك فى البيت».

ربما يكون من حق قوى المعارضة الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، لكنها فى الوقت نفسه يجب عليها أن تطرح «خريطة طريق» بديلة، تحدد الخطوات التالية التى ستعالج بها هذا الفراغ الدستورى الذى سينشأ لو لم تجر الانتخابات، وألا يصبح كلامها نوعا من «الهذيان» الذى يثير السخرية والتهكم لدى قطاعات واسعة من المواطنين، وستشعر البعض بأن هذه المعارضة لا هدف لها سوى وضع البلد أمام مستقبل مجهول.

بالتأكيد الارتباك لا يبنى أوطانا، والحيرة ترفع منسوب القلق من إمكانية بقاء الدول واستقرارها، والتشوش وغياب الرؤى الواقعية والضجر من الرأى الآخر، يمنع التعامل الجاد مع قضايا الحاضر، ويعرقل رسم ملامح المستقبل المأمول، ومواجهة التحديات الحقيقية التى تعترض الطريق، تتطلب انفتاحا وتفاهما وتفهما ومشاركة من الجميع، وعدم إقصاء أى طرف يحمل رؤى مغايرة.. فالأوطان لا تنبى إلا بالتنوع، والاقتناع بوجود مشروع حقيقى يجمع الأمة، وليس بمجرد دعوات عن ضرورة الاصطفاف وراء شخص أو جماعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف