الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
عصر الكتاب الورقي
خلال زيارتي لمعرض الكتاب هذا العام 2018م أبهرني هذا الإقبال الكبير علي معرض الكتاب المقام بأرض المعارض بالقاهرة. وبخاصة من شريحة الشباب. مما يؤكد أن روح الثقافة قد أخذت تسري من جديد في جنبات مجتمعنا . وأننا بحق أمة اقرأ وسنظل بإذن الله تعالي. وأن عصر الكتاب الورقي لم يأفل ولن يأفل. وقديما قال العقاد: اقرأ كتاباً جيداً ثلاث مرات أنفع لك من أن تقرأ ثلاثة كتب.
الكتاب خير أنيس . وخير جليس . وخير صاحب . فهو كما وصفه الجاحظ : نِعْم الذخر والعدة . آمن مَنْ فـي الأرض. وأكتم للسر من صاحب السر. وأحفظ للوديعة من أرباب الوديعة . ولا أعلم جاراً أبرَّ . ولا خليطاً أنصف . ولا رفيقاً أطوع. ولا معلماً أخضع. ولا صاحباً أظهر كفاية ولا عناية. ولا أقل إملالاً وإبراماً. ولا أبعد عن مراء. ولا أترك لشغب. ولا أزهد فـي جدال . ولا أكف عن قتال من كتاب .
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك . وشحذ طباعك. وبسط لسانك . وجوَّد بيانك . وفخَّم ألفاظك . وعمَّر صدرك . وحباك تعظيم الأقوام . ومنحك صداقة الملوك. يطيعك فـي الليل طاعته بالنهار. وفي السفر طاعته فـي الحضر.
وإذا كان هذا هو شأن الكتاب فإنه إلي جانب ذلك كله مفتاح الثقافة. والثقافة أكبر ضمانة لتحصين عقول شبابنا من الفكر المتطرف. واستقطابات المتطرفين. وهو أحد أهم مكونات الشخصية السوية. وجانب كبير من أسباب التطرف والغلو يرجع إلي ضيق الأفق الثقافي أو محدوديته لدي كثيرين. وربما انسداده أو انغلاقه في بعض الأحايين . وقد صارت أحادية البعد الثقافي ظاهرة تستحق المناقشة . حيث يركز الباحث أو الدارس علي علم أو فن بعينه يستغرقه فكريًا أو أكاديميًا . ينحصر فيه دون سواه . مما يخرج لنا جيلاً ربما نجد فيه عالما غير مثقف . أو غير قادر علي العمل الجماعي بروح الفريق أو التواصل المرن مع مجتمعه. لعدم إلمامه بأدوات العصر واتجاهاته الثقافية والمعرفية. وربما ينحرف بالمتحدث أو الكاتب إلي معالجة خاطئة لبعض القضايا . أو ينجرف به إلي الصدام مع المتلقيپ مشاهدًا كان أو سامعًاپأو قارئًا.
وفي تجربتي الشخصية اتخذت من الكتب وما زلت رفيقًا في الحضر والسفر. في الحل والارتحال. تجدها منثورة ومجتمعة في مكتبي وفي سائر جنبات المنزل لا تكاد تخلو غرفة أو صالة من كتاب أو مجموعة كتب. وحتي في السيارة لا يمكن أن تخلو يومًا ما من كتاب أو مجموعة كتب. وعلي متن الطائرة أو غيرها تري الكتاب لا يكاد يفارقني. فبيني وبين الكتاب حالة عشق خاصة. وعلي الرغم من إفادتي الكبيرة من وسائل النشر الإلكتروني فإن الكتاب بالنسبة لي خير صديق وسيظل . يطيب أن أخط فيها خطوطي. وأن أعلق علي بعض حواشيه. وأن أسم بعلامات خاصة بعض صفحاته. وأري ما ينطبع في ذهني منه لا يكاد يمحوه الزمن. فالفكرة ترتبط بكتابها . عكس ما نتصفحه في الجانب الإلكتروني الذي يصعب رسمه في الذهن رسم صفحات الكتب بعلاماتها وحواشيها وأنواع خطوطها وحتي أغلفتها ودور نشرها.
وإنني لأري أن الإنفاق علي شراء الكتاب ضرب من ضروب الخير التي يجب أن يسخو فيها نفس الغني . وأن يعان عليها طالب العلم الفقير .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف