الأهرام
عبد الرحمن سعد
كفران العشير والإحسان
صفة ذميمة تنتشر بين كثيرات من النساء، استوجبن بها عذاب النار، لأنها كبيرة من الكبائر، حرمها الإسلام، وحذَّر منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ألا وهي: "كفران العشير والإحسان"، بمعنى: جحود إحسان الزوج، وإنكار جميله، وفضله.
روى البخاري عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "َأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ"، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ. لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".

و"العشير" هو الزوج؛ إذ يعاشرها، وتعاشره. والمُراد بكفرانه: إنكار إحسانه، وجحد نعمته أو سترها بترك شكرها، برغم عظم حقه، وكون "شكر المُنعِم فريضة".

ويُسمى جاحد النعمة كافرًا، وأصل الكفر: التغطية للشيء، والستر له. بوب البخاري بابا في صحيحه بعنوان: "كفران العشير، وكفر دون كفر"، وأجمع العلماء على أن المعاصي تُسمى كفرًا، ولا يُراد بذلك: الخروج من الإسلام.

وعود إلى الحديث، قال الإمام النووي: "فيه أن كفران العشير والإحسان، من الكبائر؛ فان التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة".

وقال ابن دقيق العيد: "تعليله، صلى الله عليه وسلم، بالشكاة، وكفران العشير: "دليل على تحريم كفران النعمة؛ لأنه جعله سببًا لدخول النار".

وقال بعض أهل العلم إن وصف (كفران العشير والإحسان)، أغلبي، وليس عامًا للنساء كلهن، أي أنه "خاص لفظًا، عام معنى"؛ لأن في النساء من هن ذوات إيمان وتقوى، ومن تخاف الله وتراقبه، أكثر من الرجل.

وبالجملة أجمع العلماء على أنه يُستنبط من الحديث أن العبد يُعذَب على جحد الإحسان والفضل وشكر النعمة، وأن الحديث يحث النساء على تجنب كفران العشير؛ لئلا يكون ذلك سببًا لدخولهن النار، وأن فيه أيضا دعوة إيجابية لكل زوجة أن تشكر زوجها على أفعاله الحسنة.

وفي هذا الصدد، روى النسائي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو، رضي الله عنهما، قال: "قَالَ رَسُولُ الله، صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ: لا يَنْظُرُ الله إِلَى امْرَأَةٍ لا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ". (رواه النسائي، وصححه الألباني).

والمحصلة أنه يجب على كل مسلمة أن تتقي الله في زوجها، وأن تقر له بالفضل، وأن تعلم أنه لا يجوز لها أن تنكر إحسانه، وتحرص على أن ترد له الفضل بالفضل، والإحسان بالإحسان، وتجتهد في أن تكافئه على أي فضل أو إحسان، سواءً أكان: دنيويًا: ماليًا أو بدنيًا أو نحو ذلك، أو دينيًا، وأن تدعو له.

وفي إنصاف أَجْمَلَ الحافظ ابن حجر العسقلاني، ما يرمي إليه حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "ليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك؛ لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه عليه؛ تحذيرًا من الافتتان بهن، ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران، وغيره؛ لا على النقص". (فتح الباري بشرح "صحيح البخاري").
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف