الأخبار
د.محمد مختار جمعه
الوعي بالتحديات
الوعي بالوطن، والوعي بالتحديات، والوعي بالمخاطر، أمر لا غني عنه في مرحلة شديدة الدقة والخطورة والحرج في تاريخ منطقتنا.. المخاطر جسام، والتحديات هائلة، والأمر أقرب ما يكون إلي زمن الفتن التي قد تخرج الحكيم عن حدود حكمته، وتجعل الحليم حيران، لشدة اختلاط الأمور واضطرابها، وبما تخفي أبعاد خيوطه علي كثيرين.
ومما لا شك فيه أن قضية الوعي بالوطن وبمشروعية الدولة الوطنية، وضرورة دعم صمودها، والعمل علي رقيها وتقدمها، أحد أهم المرتكزات لصياغة الشخصية السوية، وأحد أهم دعائم الولاء والانتماء للوطن والحفاظ علي مقدراته وكل ذرة من ثراه الندي.
وفي السياق والمناخ الفكري الصحي لا يحتاج الثابت الراسخ إلي دليل، لكن اختطاف الجماعات المتطرفة للخطاب الديني ومحاولات احتكارها له ولتفسيراته جعل ما هو في حكم المسلمات محتاجًا إلي التدليل والتأصيل، وكأنه لم يكن أصلا ثابتًا.
والعدو عدَّوان، ظاهر وباطن، معلوم ومتخفٍ، من خارجنا، ومن بيننا، من خصومنا، ومن بني جلدتنا، وربما كان من العسير تتبع كل هؤلاء الأعداء، ورصد كل خطواتهم وتحركاتهم وما تقوم به أجهزة رصدهم ومتابعتهم، والأدوار التي يؤديها أذنابهم من الخونة والعملاء، فذلك أمر جد شاق ويحتاج إلي جهود مضنية، ومع تقديرنا الشديد لكل الجهود المخلصة التي تقوم بها أجهزة الدولة الوطنية، فإننا نحتاج إلي وعي كل فرد من أفراد المجتمع وتعاونهم حتي نتمكن من إحباط كل المؤامرات ومحاولات إفشال الدولة أو إسقاطها.
غير أن الأهم في سبل المواجهة هو تأهيل أنفسنا وتحصينها بالبناء وامتلاك عناصر القوة وتفادي نقاط الضعف، وأول هذه العناصر يتمثل وبقوة في وحدة الصف، وأن نكون يدًا واحدة، لا نسمح لأحد أن يشق صفنا، أو ينال من وحدتنا، أو يزرع بذور الفتنة بيننا، فحزمة الحطب لا تنكسر مجتمعة وتنكسر عيدانها أفرادًا ووحدانا، يقول الحق سبحانه : »وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»‬، ويقول سبحانه : »‬وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».. كما يجب أن نتحلي بالصبر واليقين، اليقين بعدالة قضيتنا من جهة، وبنصر الله للحق ودحضه للظلم والباطل والاعتداء طال الزمن أو قصر من جهة أخري، حيث يقول الحق سبحانه : »‬وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ»، ويقول سبحانه : »‬وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ»، ويقول سبحانه : »‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، فالمصابرة مفاعلة ومغالبة، ومن معاني قول الله تعالي »‬وصَابِرُوا» هنا : واجهوا صبر عدوكم بصبر يغلب صبره، حيث يقول الحق سبحانه : »‬وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا».
ومن أهم عوامل النصر : الأخذ بأسباب القوة والعزة والمنعة والكرامة، حيث يقول الحق سبحانه : »‬وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ».
علي أنني أؤكد أن مشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك، بل هو أصل راسخ، بل إن كل ما يدعم بناء الدولة وقوتها هو من صميم اعتقادنا الإيماني، وكل ما يؤدي إلي الفساد أو الإفساد أو التخريب أو زعزعة الانتماء الوطني إنما يتعارض مع كل القيم الدينية والوطنية.
وبما أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة تحاول أن تتخذ من التشكيك في هوية الدولة الوطنية وسيلة لإسقاطها ومحاولة لزعزعة الانتماء الوطني بين أبنائها، كان لزامًا علينا أن نؤكد علي مشروعية الدولة الوطنية، وأن ما تقوم به الجماعات الإرهابية من داعش، والقاعدة، والنصرة، وبوكو حرام، وجماعة الإخوان الإرهابية، وأضرابهم هو عين الجناية علي الإسلام، ذلك أن ما أصاب الإسلام من تشويه لصورته علي أيدي هؤلاء المجرمين بسبب حماقاتهم لم يصبه عبر تاريخه الطويل، ولو أن أعداءنا بذلوا ما في وسعهم ما نالوا من صورة الإسلام الناصعة معشار ما نالته منها جرائم تلك الجماعات الضالة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف