الأخبار
فرخندة حسن
التعليم والاقتصاد الوطني
وجهت القيادة السياسية بضرورة تطوير التعليم العالي حتي لو احتجنا إلي الاستعانة بالخبرات الأجنبية وهو ما يضع تطوير التعليم علي رأس أولويات وأهداف جهود التنمية في الفترة الحالية. شد هذا التوجيه انتباهي واهتمامي خاصةً وأننا منذ عقود نتناول باستمرار موضوع تطوير التعليم بالمناقشة وتتعدد اللجان والمؤتمرات والندوات وتتراكم الدراسات والتقارير التي تتضمن نتائج وتوصيات مشروعات بحثية تكلفت ملايين الجنيهات وكان لي شرف المشاركة في أحد المشروعات الضخمة للمجلس الأعلي للجامعات برئاسة وزير التعليم العالي في ذلك الوقت. ضم المشروع عدداً ليس بالقليل من كبار خبراء التعليم ممن بنوا خبراتهم في مصر وممن نهلوا المعرفة من الخارج من خلال العديد من البعثات العلمية. تناول المشروع كل أبعاد تطوير التعليم باستفاضة ودقة شديدين وخرج بتقرير متكامل. فلماذا لم يصل التعليم العالي حتي الآن إلي المستوي المرجو أو المفروض؟ ما الذي ينقصنا؟ وجدت الإجابة علي هذا السؤال أثناء مشاركتي في ندوة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية برئاسة الأستاذة الدكتورة/ عبلة محيي الدين حول سوق العمل في مصر والتحديات التي تواجهه والتي طرحها ببراعة ووضوح شديدين في الكلمة الرئيسية الأستاذ الدكتور/ ناجي أسعد - الأستاذ بجامعة مينوسوتا الأمريكية والأستاذ الزائر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في الوقت الحالي. ناقش المشاركون في الندوة المعلومات العلمية والبيانات الموثقة التي طرحها الخبراء المتحدثون وتوصلوا إلي أن سوق العمل في مصر ليس بالصورة المرجوة وكيف أنه بالمقارنة العلمية الدقيقة بسنوات سابقة اتضح أنه لا يتقدم بل يتأخر بل وصفه البعض بأنه يتدهور. فهناك مستوي عالٍ من البطالة وانخفاض في جودة العمل ومهارات العاملين وغير ذلك من العديد من المعوقات التي تعوق الانطلاق ومن أهمها هو عدم مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل وهو ما أحدث خللاً في ديناميكية العرض والطلب. وهنا أدركت أن المشكلة في موضوع تطوير التعليم ليست في غياب الخبرات بل بسبب أنه وعلي مر العقود كان يتم تناول موضوع التعليم بمعزل عن باقي قطاعات التنمية. أوضحت المناقشات العلاقة الوثيقة بين مخرجات التعليم ومؤشرات ومقومات انطلاق سوق العمل وأثر ذلك علي الاستثمار بصفة عامة وفي النهاية بالطبع علي نمو الاقتصاد الوطني. وأن المشكلة تتركز في وجود فجوة بين قطاع التعليم والقطاع الاقتصادي وأن هذه الفجوة ليست بالهينة بل هي فجوة عميقة تحتاج إلي وقفة جادة وتغيير شامل في أسلوب العمل وتطوير أساليب المواجهة.
إذا نظرنا إلي واقع التعليم العالي في الوقت الحاضر نجد أن الطلب علي الالتحاق بالتعليم العالي يتزايد بدرجة كبيرة وهي ظاهرة صحية إيجابية تدل علي تزايد الوعي والرغبة في التقدم والرقي كما تتزايد أعداد الجامعات باطراد في كل محافظات مصر، والملاحظة المهمة التي أشار إليها الخبراء أنه وعلي مدي الفترة الماضية أن أعداد المقاعد في الكليات النظرية تتزايد بدرجة كبيرة علي حساب التخصصات الأخري بسبب لا يتعلق بأهداف تنموية بل يتعلق بتوزيع الموازنات اللازمة لإنشاء هذه الجامعات فإذا عرفنا أن نسبة الأساتذة إلي الطلبة كما يقول الخبراء هي أستاذ لكل 350 طالباً في الكليات النظرية وأستاذ لكل 13 طالباً في الكليات العملية نجد أن المسئول عن توزيع الموازنة يعطي الأولوية للكليات النظرية توفيراً للتكلفة. هناك بالطبع احتياج لخريجي التخصصات النظرية في سوق العمل لكن ليس بالنسبة الحالية. هذا بالإضافة إلي أن الهدف السائد في الوقت الحالي من التعليم العالي هو الحصول علي الشهادة وليس اكتساب المهارة. إن التركيز علي الشهادة وإغفال المهارة من أهم المشكلات التي تواجه سوق العمل في الوقت الحالي وهو ما يجعل من التدريب جزءاً أساسياً من الضرورة أن يتكامل مع نظم التعليم في كل التخصصات من خلال برامج تدريبية تتسم بالمرونة لتتواكب باستمرار والتغيرات التي تطرأ علي سوق العمل.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف