الأخبار
جلال عارف
قرارنا الوطني مستقل.. هل يفهم «الآخرون»؟!

علي مدي تاريخنا الحديث، كان القرار الوطني المستقل هو جوهر صراعنا ومفتاح تقدمنا. وكنا علي الدوام ندرك أن الاستقلال الحقيقي ليس مجرد علم ونشيد، وإنما هو إرادة حرة وقرار مستقل.
علي مدي سنوات طويلة قبل ثورة يوليو كانت مصر -في عرف القانون الدولي- دولة مستقلة، وعضوة في عصبة الأمم ثم في الأمم المتحدة. لكنها كانت عند شعبها.. دولة منقوصة السيادة تحكم من قصر المندوب السامي البريطاني، ويناضل شعبها ضد احتلال مازال يربض علي أرضها ويتحكم في مصيرها ويجعل من قناة السويس دولة أخري داخل الدولة.
وكان علي مصر أن تنتظر موعدها مع ثورة يوليو ١٩٥٢ لتطرد من علي أرضها آخر جندي من جنود الاحتلال البريطاني، ولتسترد قناة السويس بقرار التأميم ثم بحرب بورسعيد التي تصدت فيها للعدوان الثلاثي.. لتخرج مصر من المعركة الصعبة وهي صاحبة قرارها، فتكون النتيجة أن تقود معركة العالم العربي من أجل الحرية، وتخوض نضالها الأصعب من أجل التنمية وبناء الدولة الحديثة.
وتحملت مصر في هذه الفترة الكثير.. فرض عليها الحصار الاقتصادي، وتحالفت عليها قوي الشر لتمنع نهوضها. لكنها سارت بقيادة جمال عبدالناصر في الطريق الصعب، وتحملت بكل جسارة تكلفة قرارها بأن يكون قرارها الوطني في يد شعبها.. ولا أحد غيره.
ورغم الحروب والمصاعب، فقد كان الإنجاز عظيما. حققت مصر أعظم معدلات التنمية في عقد الستينيات، واستمر ذلك حتي بعد هزيمة ٦٧ »كان معدل التنمية في ظل حرب الاستنزاف وعند رحيل عبدالناصر عام ٧٠ من أعلي المعدلات في تاريخ مصر»‬ وكان الأهم أن عائد التنمية كان يعود لشعبها، وأن معظمه كان يذهب لتعويض الفقراء الذين تحملوا الظلم لسنوات، وللطبقة الوسطي التي أصبحت قاعدة للنهضة، ولاستمرار التنمية التي تدعم الاستقلال وتبني الدولة الحديثة.
ولم يكن شيء من ذلك يتحقق إلا في ظل القرار الوطني المستقل الذي لا يدين بالولاء إلا لشعب مصر. هذا القرار الذي رفض الاملاءات الأجنبية وتصدي للمؤامرات، ورد علي الإهانة الأمريكية بسحب تمويل السد العالي بالقرار الخالد بتأميم قناة السويس. واستطاع بعد ذلك أن يبني وينجز، ويضع اللبنات الأساسية للدولة الحديثة، رغم الحصار الذي وصل لحد منع القمح والدواء، ورغم الحروب التي فرضت والمؤامرات التي لم تنقطع.
كان استقلال القرار الوطني هو الأساس. وكان الشعب علي حق حين أدرك أن لا حرية ولا عدالة ولا تنمية ولا تقدم، إلا حين يكون قرار مصر هو شأن وطني خالص. وكان الشعب أيضا علي حق حين اكتشف أن الانقلاب علي يوليو بعد ذلك تمت ترجمته علي الفور بأن ٩٩٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا (!!) وحين رأي الترجمة الفعلية لذلك أن تفقد مصر موقعها الريادي، وأن يتراجع كل شيء فيها لأكثر من ثلاثين عاما، لتكون في النهاية أسيرة صراع الفساد مع الإخوان أو تحالفهما.. وفق ما تمليه إرادة من بيده ٩٩٪ من أوراق اللعبة!!
وإذا كانت ثورة يناير قد ترجمت مرة أخري أشواق الملايين للعدل والحرية والكرامة الإنسانية، فقد ظل المفتاح هو القرار الوطني المستقل الذي ظل يناضل حتي ٣٠ يونيو، حين أسقط الشعب نظام الإخوان الفاشي وحماية الدولة الوطنية من السقوط، ومنع انزلاق مصر إلي ظلامية العصور الوسطي أو جحيم »‬الفوضي» التي بشرتنا بها أمريكا!!
ودون الإغراق في تفاصيل تحديات تلك الفترة الصعبة في تاريخ مصر فإن لحظة حاسمة ستظل تلخص طبيعة الصراع الذي كان، والذي يظل.. إنها تلك اللحظة التي وقفت فيها الإدارة الأمريكية السابقة بكل قواها وراء الإخوان وضد إرادة شعب مصر، والتي رفضت فيها مصر أن تخضع للضغوط. يومها قال الرئيس الأمريكي السابق أوباما »‬إن العلاقة بين مصر وأمريكا لن تكون كما كانت من قبل».. وكان الرد من الرئيس السيسي -كان يومها وزيرا للدفاع- هو: »‬إن مصر لن تنسي من وقف معها في هذه الظروف ومن وقف ضدها».
> > >
لماذا نستعيد كل ذلك؟.. لأن البعض مازال يعتز بجهله (!!) ويتصور أن الضغوط علي مصر يمكن أن تجعلها تغير من مواقفها. ولأن البعض مازال لا يستوعب دروس الماضي.. بدءا من قرار أمريكا بسحب تمويل السد العالي الذي اعترفت بعد ذلك بأنه كان خطأ لا يغتفر، إلي مسلسل الحكايات المملة عن وقف المعونة الأمريكية أو تعليق أجزاء منها، أو الوقاحة التي تتصور أن مصر يمكن أن تخضع لابتزاز، أو تقبل بهذا الهوس الذي يقود به »‬ترامب» سياسة أمريكا في دعم اليمين الصهيوني لاستكمال اغتصاب فلسطين وتهويد القدس.
> > >
طريقنا صعب لكن قرارنا مستقل، بهذا وحده نبني وطننا علي أسس صحيحة، وبهذا وحده نحمي بلادنا ونمضي في بناء دولتنا المستقلة بحق، والقادرة علي أداء دورها كاملا.. في الداخل بمواصلة البناء لنهضة حقيقية ترسخ الدولة المدنية علي أساسها العدل والحرية. وفي الخارج باستعادة دورنا القيادي الذي افتقدته الأمة العربية طويلا، والذي يقول لكل من توهم يوما أن مصر هي »‬جائزته الكبري!!».. قف مكانك، فالقرار في مصر بيد شعبها وحده.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف