الدستور
مدحت بشاى
تسامحوا يرحمكم الله
رغم افتعال حكاوى الجنوح الطائفى، تظل هناك حالة حقيقية من الاندماج الإنسانى والوطنى والاجتماعى بين الناس فى بلادى.. ولكن، وحتى بين أهل الرأى والفكر تلاحظ فى الفترة الأخيرة تعالى تلك النبرة الخبيثة الأحادية الرؤية فى مقالات تثير حالة من السجال الطائفى الممجوج.
على سبيل المثال وبمجرد كتابة باحث أكاديمى متخصص وبرلمانى وطنى مشهود له بالاعتدال والبعد عن ترهات التطييف والتعصب حول ضرورة تفعيل البرلمان مواد الدستور، لإعداد قوانين ولوائح مفوضية لمناهضة التمييز، قام كاتب زميله فى نفس الجريدة بإعداد سلسلة من المقالات الساذجة يتهمه بالطائفية، فإذا بمقالاته تفيض كراهية وغلًا غير مسبوق يبعد بنا عن حالة التسامح المأمول دعمها فى زمن التحديات الطائفية البغيضة التى تشتعل بسببها الحروب بأختام دينية ومذهبية للأسف.
والأسوأ كان فى رد الفعل المؤسف والمتسرع من جانب الجريدة التى قررت استبعاد الكاتب صاحب العمود اليومى، استرضاءً لصاحب تلك المقالات الأسبوعية التى تخلو من منهجية ومن تسامح، وتفيض بحالة من المعايرة لمواطنين مصريين بحصول بعضهم على حقوقهم عبر التاريخ.
لا شك أن السعى لتكريس قيم التسامح الدينى، بات ضرورة كضرورة الوجود الإنسانى والحياتى والمجتمعى، سعيًا إلى إنشاء حالة من الارتقاء والتقدّم والتنمية.. لقد جاء فى القرآن الكريم: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا}. فالإنسان ابن مجتمعه ووطنه، فعلى أرضه وبين ناسه وحضارته وتاريخه يكتسب ملامح وجوده.. و«عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم».
تكريس وإعلاء لقيم التسامح النبيل.. وفى المسيحية «سمعتم أنه قيل عين بعينٍ وسن بسنٍ وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا» (مت ٥: ٣٨، ٣٩).
فى ديسمبر ١٩٧٠ خصصت مجلة «الهلال» عددًا كاملًا عن القرآن.. ورأت أن تستكتب فيه البابا شنودة، ليعرض فيه وجهة نظره ويسرد علاقته بالقرآن الكريم.. وبالفعل أسهم البابا فى العدد بمقال عرض فيه وقع الحديث عن السيدة مريم والنصارى فى آيات القرآن الكريم.. وأستأذن القارئ لعرض بعض من سطوره، يُعد من الوثائق المهمة فى حياة وتاريخ البابا شنودة.. جاء فى المقال «تعرض القرآن للمسيحية.. شرح كيف أنها ديانة سماوية، ديانة إلهية، أرسلها الله هدى للناس ورحمة، على يد المسيح بن مريم. والمؤمنون بالمسيحية سجل القرآن أن لهم أجرهم عند ربهم، وأنهم غير المشركين وغير الذين كفروا.. وقال أيضًا.. إنهم أقربُ الناس مودة إلى المسلمين، وإنهم متواضعون لا يستكبرون. وشخص المسيح له فى القرآن مركز كبير. إنه كلمة الله، روح منه. ولد بطريقة عجيبة لم يُولد بها إنسان من قبل ولا من بعد، دون أب جسدى، ومن أم عذراء طهور لم يمسها بشر. ومات ورفع إلى السماء. بطريقة عجيبة حار فيها المفسرون والعلماء على الأرض، يهدى الناس، ويقوم بمعجزات لم يعملها أحد مثله. وقد هدى الناس عن طريق تبشيرهم بالإنجيل. والإنجيل له مكانة عظيمة فى القرآن الذى كان مصداقًا له وداعيًا الناس إلى الإيمان به. ولم يذكر القرآن إطلاقًا أنه نسخ التوراة أو الإنجيل، بل على العكس ذكر أن المؤمنين ليسوا على شىء حتى يقيموا التوراة والإنجيل. وللعذراء مريم أم المسيح مركز ممتاز فى القرآن، فى بتوليتها وطهرها ونسكها وعبادتها وتشريف الله لها واصطفائها على نساء العالمين. وقد تحدث القرآن أيضًا عن الحواريين تلاميذ المسيح. وتحدث عن بعض العقائد المسيحية.. وهنا يظهر الخلاف بينه وبين المسيحية».
شىء من ذلك خلاف حقيقى، وشىء آخر لا يمكن أن نسميه خلافًا، وإنما هو محاربة لبعض البدع الدينية التى كانت سائدة وقتذاك، والتى تحاربها المسيحية أيضًا، والتى لم تكن فى يوم من الأيام من عقائد المسيحية، كما يخطئ البعض فى الفهم والتفسير، وما أكثر المِلل التى تقوم فى كل جيل، يحارب أخطاءها أولياء الله الصالحون، وسنعرض لكل هذا بالتفصيل. نظرة القرآن إلى النصارى: يدعوهم القرآن «أهل الكتاب» أو «الذين أوتوا الكتاب من قبلهم» أو «الذين آتيناهم الكتاب» ويصفهم القرآن بالإيمان وعبادة الله، وعمل الخير. ويقول فى ذلك «من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين». «سورة آل عمران ١١٣، ١١٤»... انتهى الاقتباس من المقال الذى يعد محاولة من محاولات التقريب المأمول دعمها، ومن جانب مؤسسة محترمة «دار الهلال» فى إطار إصلاح خطاب ثقافى ودينى بات يشوهه البعض بعصبية ممجوجة للأسف
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف