الأهرام
عائشة عبد الغفار
إذا كنت رئيسا فى الأربعين؟
جميع الطرق تؤدى إلى قصر الإليزيه ولكن فى هذا الزمن لابد من المرور بالمعرفة وتجارب الحياة سعيدة أو أليمة ثم الفوز بالانتخابات الرئاسية.

احتفل الرئيس ماكرون فى 21

ديسمبر الماضى بعيد ميلاده الأربعين بعد أن اتخذ قرارا مهما وهو جمح شبابه وانتهاج سياسات عاقلة متزنة حكيمة.. إنسانية.. ففى 28 نوفمبر الماضى أكد أمام شباب جامعة واجادوجو ببوركينا « اننى مثلكم من جيل يلقى خطابا مهما بتواضع شديد دون التصور بأننا مهمون» وليقول إنه لا يعرف إفريقيا المستعمرة وأن أجمل ذكرياته السياسية هو النصر الذى حققه نيلسون مانديلا بقهر سياسة «الابارتايد» وأعلن المتحدث الرسمى للحكومة الفرنسية «أنه خطاب لرئيس شاب موجه لقارة شابة» ثم تحدث ماكرون خلال زيارته التاريخية للجزائر مطالبا بعدم تقليب الماضي.. ولقد استطاع كسب الرأى العام الفرنسى من خلال حكمته ونضوجه الفكرى حتى أكد المواطن الفرنسى «أنه رئيس بلا سن» وأشار الإليزيه إلى أنه كرئيس دولة فهو يتحدث إلى جميع الأجيال من الفرنسيين وأنه لا يبحث عن تعميق الشقوق والخلافات فى المجتمع.

لقد درس ماكرون عن قرب مواقف وتصرفات أسلافه المباشرين فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزى وحرص على عدم الأخذ بأسلوب ديستان الذى تقلد الرئاسة فى عامه ال 48 وراهن فقط على جيل الشباب عندما قال لهم «أرفعوا مشعل البشاشة والسرور والمستقبل» وأطاح بالبروتوكول عندما قطع الشانزليزيه على الأقدام وأعلن فى مؤتمره الصحفى الأول عن إرادته فى رفع الغبار عن الجمهورية واختار تخفيض الأغلبية المدنية إلى 18 عاما. وبعد ذلك ظهر وهو يرتدى «مايوه» السباحة خلال أولى إجازته الصيفية، ثم داخل حمام السباحة بجزر المارتينيك يتبادل مع الرئيس فورد الكلمات وفى يده كأس ويبدو سعيدا بلياقته البدنية..فى حياة ماكرون السن غير موجود ومنذ صباه وهو متريس.. عاقل لا يتردد على النوادى الليلية.. ولقد وضع خلال إخراجه صورته الرسمية كتابين على مكتبه أحدهما لأندرية جيد والآخر لستندال.. إن قوته تكمن فى أنه لا يحصر نفسه فى جيله. عندما تقدم الراحل فرنسوا ميتران للترشيح للمرة الثانية كان فى عامه الحادى والسبعين قال «إن الشباب هو الزمن الذى تبقى أمامنا» مستعينا بكلمات الأديب جول رومان «JULES ROMAIN» لأن عامل السن كان محل جدل. فى حين أن جاك شيراك أعلن «أن فرنسا تحتاج إلى رجل يتمتع بالطاقة والقوة الجسدية» ورغم كل الآراء المثارة إزاء صغر سن ماكرون والتى تفكرنا بالمثل السائد «إذا كان الشباب يعلم وإذا كانت الشيخوخة تقدر!« فإن الفرنسيين سعداء بماكرون الذى يعتبرونه وعدا لفجر فرنسى جديد لأن الشروط السياسية والنفسية لإنطلاقة فرنسا قد اجتمعت.. لقد تم ترميم كرامة الرئاسة الفرنسية وعادت فرنسا على المسرح الدولى بقوة لأنها قادرة على دفع الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو إلى الأمام وأكدت نفسها كقائدة للدبلوماسية المتعددة الأطراف فى مواجهة نزوات دونالد ترامب الغير مسئولة وهى حليف للعالم العربى والإسلامى بعد موقفها الشجاع إزاء القدس وتبنيها رسالة إنسانية إزاء اليمن.. إلخ.. وتمتعها بدور الوسيط النافع فى الخليج. من لبنان إلى إيران مرورا بقطر. ويشعر الفرنسيون فى بداية عام 2018 بأنهم فخورون بأنفسهم فصورة فرنسا التى كانت قد فقدت بريقها فى عهد هولاند أصبحت إيجابية وفى الفترة التى تمزقت فيها زعامة الولايات المتحدة على يد ترامب فإن إنجلترا «تريزا ماى» تترنح فى سواد البريكسيت، كما أن ألمانيا ميركيل تواجه صعوبة إزاء تشكيل الحكومة، وإيطاليا تواجه انتخابات ذات مخاطر عالية وإسبانيا بعد خروجها من الأزمة معرضة للشبهات بسبب الدراما الكتالونية وإنما حنكة ايمانويل ماكرون سمحت بتدارك تقويم وتعديل قامة فرنسا،

لاشك أن عام 2018 سوف يكون حاسما بالنسبة لتحديث فرنسا واستئناف مسار أوروبا. إن هذه اللحظة التاريخية مرتبطة بإمكانات ماكرون وتنفيذ الوعود لقد أعطى الأمل، وكما كان يقول اندريه مالرو «لا يمكن أن نتنفس العالم دون أمل».

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف