المصرى اليوم
كريمة كمال
مرجعية النواب
سؤال مهم يجب أن يطرح فى سياق دور البرلمان المصرى الحالى.. السؤال هو: إلى ماذا يستند البرلمان فيما يخص مقترحات القوانين؟ هل يستند إلى وجهة نظر أعضاء البرلمان فى كل ما يجرى؟ أم يستند إلى رغبتهم فى فرض ما يجدونه لازما من وجهة نظر أخلاقية بحتة تهدف إلى فرض الأخلاق على الشعب، وفرض القوانين التى تفعل ذلك؟.. أم يستندون إلى نصوص الدستور التى تنص على الحقوق والحريات المكفولة للمواطنين.

الواقع أن دور البرلمان لا يجب أن يستند إلى النوازع الأخلاقية أو الدينية لأعضائه بقدر ما يجب أن يستند إلى نصوص الدستور الذى ينظم القوانين ويحكمها، وبالتالى يحكم كل ما يقدم من مقترحات قوانين إلى البرلمان من نوابه، وما يصدر عنه من قوانين، لكن عندما نراجع ما يقدم من مقترحات للبرلمان الحالى وما يتم إقراره من قوانين فإننا نجد أن البرلمان الحالى لا يستند إلى الدستور المصرى المعمول به الآن بقدر ما يستند إلى قناعات نواب البرلمان، والدليل على ذلك ما اصطلح على تسميته بـ«قانون الإلحاد»، حيث تم التقدم بمشروع قانون لتجريم الإلحاد من جانب «عمرو حمروش» أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، وهو المشروع الذى تم تداول بعض نصوصه، والتى تضمنت أن المادة الأولى منه تنص على (كل من يثبت إلحاده بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الرمز أو أى وسيلة أخرى من وسائل التعبير أو بشهادة الشهود أو بتحريات المباحث يعدم فورا بلا محاكمة).. وبصرف النظر أن يتم إقرار القانون كما جاء المقترح به أو يتم تعديله فإن تقديم مشروع قانون يفرض الإيمان بقوة القانون ويحاكم من هو غير مؤمن بعقوبة الإعدام هو كشف لعقلية نواب البرلمان الحالى، من حيث انحيازهم لقناعاتهم الشخصية وإيمانهم إلى حد رغبتهم فى الاقتصاص ممن هو غير مؤمن إلى هذا الحد.. الأسوأ هنا هو الرغبة فى أن تكون مؤسسات الدولة الشرطية طرفا فى التفتيش فى العقول والصدور وضبط من هو ملحد رغم أن هذا يتنافى أصلا مع إقرار حرية الاعتقاد التى ينص عليها الدستور، والأخطر أن يتم الاستناد أيضا إلى شهادة الشهود، مما يحول الإيمان من عدمه إلى وسيلة من وسائل الادعاء بالباطل أو حتى بالحق على فرد من الأفراد من حيث القول بأنه ملحد، فتتم جرجرته إلى المحاكم للاقتصاص منه وكأنما نحن فى العصور الوسطى لنعيد مرة أخرى محاكم التفتيش.

النواب يقدمون مشروعات القوانين، طبقا لما يرفضونه هم، فهم يرفضون المثليين ويرفضون الملحدين فيتحركون ضدهم ولا يتحركون طبقا لما يقره الدستور وما ينص عليه وكأنهم لم يقرأوا الدستور، ودستورهم هو آراؤهم الشخصية ووجهة نظرهم فيما يحبونه وما يكرهونه وما يقلقهم فيتحركون فى اتجاهه، والنائب قد أقلقه ازدياد الإلحاد فقرر التصدى له بالتجريم، فهو يرى أن زيادة الإلحاد بحجة حرية الاعتقاد، وأكد النائب فى تصريحاته أنه يجب أن يندرج الإلحاد تحت بند ازدراء الأديان لأن الملحد يعمد إلى إهانة الأديان السماوية ولا يعترف بها، مما يضر بالأمن القومى، مؤكدا أن تجريم الإلحاد لا يتعارض مع حرية الاعتقاد.

المشكلة هنا هى عقلية النواب الذين يرون أن حل الظواهر التى تقلقهم لا سبيل له سوى التجريم دون النظر فى كيف سيتم تحديد المتهم؟ ومن سيتورط فى ذلك من أجهزة أو اشخاص عاديين؟ دون أدنى اعتبار ليس فقط للدستور المصرى بل أيضا للمواثيق الدولية التى تنص على حرية الاعتقاد، وهى المواثيق التى وقعت عليها مصر منذ سنوات طويلة، لكن نوابنا للأسف يتصرفون «من دماغهم» وليس من نصوص الدستور والمواثيق الدولية.. المهم هنا أن مثل هذا القانون لم تطالب به المؤسسات الدينية لكن يطالب به نواب برلماننا الذين لا يرون أى أهمية للدستور والمواثيق الدولية وتبقى الأهمية الوحيدة لديهم هى رغباتهم وقناعاتهم الشخصية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف