الأهرام
اللواء محمد ابراهيم
المواطن والدولة والدور المتكامل فى مكافحة الإرهاب
الحديث عن موضوع الإرهاب ومحاولة التطرق إلى معالجة موضوعية لكل جوانبه يعد حديثاً ممتداً حتى وإن هدأت العمليات الإرهابية أو انخفضت حدتها فمن المؤكد أن الإرهاب أصبح قضية أمن قومى مصرى لايمكن للدولة كلها أن تتعامل معها إلا بكل الجدية والقوة .

هناك مجموعة من العوامل يجب أن تكون حاضرة فى الأذهان ونحن نتعامل مع هذه القضية شديدة الحساسية وأحدد هنا العوامل الأربعة الرئيسية التالية:-

العامل الأول أن الدولة تحارب الإرهاب بكل ما تملكه من وسائل وأساليب وتبذل جميع مؤسساتها العسكرية والشرطية والأمنية كل جهودها من أجل أمن واستقرار البلاد.

العامل الثانى أن الإرهاب يعتبر معركة طويلة الأمد متعددة المراحل لا تتنهى بسهولة فالإرهاب الذى تتعرض له الدولة من الداخل له امتدادات خارجية تدعمه وتوفر له المطالب اللوجستية لإنجاح عملياته الإجرامية ومن المؤكد أن الدولة المصرية مدركة وواثقة تماماً أن الانتصار فى هذه المعركة قادم لا محالة مهما يكن حجم التضحيات التى تقدمها.

العامل الثالث أن الفترة المقبلة سوف تشهد محاولات مستميتة من جانب الجماعات الإرهابية لإثبات وجودها وإظهار قوتها ولاسيما فى ظل النجاحات التى تحققها الدولة فى مواجهة هذه الجماعات التى تتعرض لضربات قوية فى جميع أماكن تمركزها خاصة فى سيناء , إضافة إلى مظاهر التقدم والتنمية الإقتصادية التى بدأت مصر تحقيقها على المستوى الداخلى وسعى هذه الجماعات والدول التى تمولها إلى ضرب استقرار وعناصر قوة الدولة.

العامل الرابع أن مواجهة الإرهاب لابد أن تتم من خلال دور تكاملى بين الطرفين الرئيسيين فى هذه المعادلة الطرف الأول وهو الدولة ممثلة فى أجهزتها المكلفة والمسئولة عن ملف مكافحة الإرهاب والطرف الثانى وهو المواطنون أنفسهم, وحتى تكون مواجهة الإرهاب فاعلة ومؤثرة وذات نتائج إيجابية يجب أن يقوم كل من الطرفين فى نفس الوقت بأداء واجباته ومهامه على أكمل وجه ممكن.

ليس من المنطق أو العدل أن تتحمل الأجهزة الأمنية وحدها مسئولية مواجهة الإرهاب فهناك مسئولية أيضاً تقع على المواطنين لا تقل فى أهميتها عن مسئولية هذه الأجهزة, ولذلك أرى ضرورة أن تتكون لدى المواطن ثلاث قناعات رئيسية حتى تصبح مكافحة الدولة للإرهاب أكثر فاعلية فى إطار منظومة عمل واحدة متكاملة وذلك كما يلى: -

القناعة الأولى أن الدولة لا تقصر مطلقاً فى حماية مواطنيها وتبذل قصارى جهدها من أجل تأمين الوطن والمواطن , ومن الضرورى ألا يهتز هذا المبدأ وألا تتغير ثقة المواطن فى قيادته السياسية مهما تكن نتائج هذه العمليات الإرهابية .

القناعة الثانية أن تأثيرات الإرهاب ونتائجه المباشرة وغير المباشرة سوف تعود بالسلب على المواطن نفسه فى حاضره ومستقبله وأنه سوف يعانى بشكل كبير من جراء استمرار هذا الإرهاب .

القناعة الثالثة أن الدور الذى يقوم به كل مواطن فى مواجهة الإرهاب يعد دوراً رئيسياً مهما تكن طبيعة هذا الدور نظراً لأنه فى النهاية يساعد الدولة علي درء المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها .

وبالتالى يجب أن يشعر المواطن بمدى مسئوليته وبأن دوره أصبح يمثل ضرورة قصوى لا غنى عنه فى مواجهة الإرهاب خاصة أنه من المستحيل أن تقوم الدولة بنشر قواتها الأمنية فى كل مكان ومن ثم يتحول كل مواطن فى هذه الحالة إلى قوة أمنية فى حد ذاته وخاصة فى الأماكن التى لا توجد فيها القوات الأمنية , كما أن يقظة وفاعلية المواطن فى هذه الحالة تمثل الضمان الرئيسى الذى من شأنه أن يجهض محاولات أي عناصر مشبوهة ومخربة تحاول النيل من استقرار البلاد, ويحضرنى هنا الدور الإيجابى الذى قام به المواطنون فى الحادث الغاشم فى محاولة الاعتداء على كنيسة مار مينا بحلوان يوم 29 ديسمبر 2017 والذى يعتبر تجسيداً حقيقياً لوطنية ووعى المواطنين ومدى أهمية دورهم إلى جانب دور الأجهزة الأمنية.

وفى الوقت الذى يجب فيه على المواطنين أن يكون لهم دور رئيسى لمساعدة الدولة فى محاربة الإرهاب ففى المقابل هناك دور يقع على الدولة فى تشجيع المواطنين ودفعهم للقيام بهذا الدور وأشير هنا إلى أمور ثلاثة أساسية:-

الأمر الأول أهمية أن تحرص الدولة على إتخاذ كل الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التى من شأنها أن تزيد ارتباط المواطنين بالدولة وزيادة معدل الانتماء خاصة فى أوساط الشباب وبما يؤكد أن كل الجهود التى تقوم بها الدولة تصب فى النهاية فى مصلحة المواطن وبالتالى يكون على قناعة تامة بأن محاربته للإرهاب سوف تعود بالنفع على الدولة ككل وبالطبع على مواطنيها.

الأمر الثانى أهمية أن تتعامل الدولة مع المواطنين الذين يعانون من جراء مواجهتهم للإرهابيين وكذا عائلاتهم بشكل يتيح لهم الاستفادة من كل المزايا التى تمنح للشهداء والمصابين من قوات الجيش والشرطة وعائلاتهم دون تفرقة حتى يشعر الجميع أنهم متساوون فى نتائج مواجهتهم للإرهاب.

الأمر الثالث لابد من زيادة الوعى لدى كل المواطنين حتى يتوافر لديهم الحد الأدنى من القدرة على مواجهة الإرهابيين بكل ما يملكه هؤلاء المواطنون من وسائل حتى بالكلمة او بالمواجهة المباشرة , ومن ثم فمن الضرورى أن يكون للمنظومة الإعلامية المصرية دور رئيسى فى هذه التوعية من خلال برامج جادة ومدروسة بكل دقة وعناية تكون قادرة على أن تجذب المشاهد وتزيد لديه جرعة الولاء للدولة والفهم الكامل لمدى ما يمثله الإرهاب من خطورة على مستقبله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف