الأهرام
القمص أنجيلوس جرجس
عام جديد نكون أو لا نكون
عام يمر وعام يأتي، وشهور وسنوات هى حسابات العمر، ونحن بين النهار والليل وبين الشتاء والصيف عشنا ونعيش نأكل ونشرب وننام ونقوم. ونحن بين تلك وهذا لابد أن نسأل أنفسنا ثم ماذا؟ كيف عشنا؟ ولماذا نعيش؟

إننا خلقة اللـه التى تعى الحياة. فالخليقة المادية كلها تعيش وجودا غير واع فالحيوانات والطيور والحشرات تحيا، وهى لا تدرك حياتها، لأن حياتها لا تزيد على كونها مجرد موجودات حية تغير وجودها القوانين المادية. أما نحن البشر فإننا مخلوقون وقد وضع فينا الإله العظيم الوعى بالحياة وإدراك الوجود. وتلك هى المشكلة كما قالها شكسبير «نكون أو لا نكون».

وحتى ندرك هذه القضية لابد أن يكون لدينا الوعى الحقيقى بمعنى الحياة، وكثيراً ما نردد أن الحياة قصيرة ولكن ماذا بعد؟ لا شيء. نحن نشتكى أن أيامنا محدودة والسنوات قليلة، دون أن نسأل أنفسنا العمر قصير على أى إنجاز تريده؟ الحياة قصيرة على ماذا؟ فهل عندك هدف وخطة تريد أن تنجزها ولكن قصر الحياة يعوقك؟

والحقيقة أن الحياة لا تقاس بالزمن، ولكن تقاس بالعمق وما حققته فى أيامك. فقد يعيش هذا مائة عام ولا يذكر له شيء فى حياته سوى استهلاك مادى وضجيج وصراعات ثم ماذا؟ لا شيء. بينما آخر يعيش سنوات قصيرة ولكن ما صنعه فيها يظل علامة حياة حقيقية فى الوجود.

فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى يحدد من يكون. فإن كان وجودنا هبة إلهية فمعنى وجودنا هو إرادة إنسانية. ويقول الفيلسوف كيرك جارد: «أنا لم أخلق ذاتى ولكنى أخترت ذاتي». ومعنى الحياة يظهر ويتجلى بقوة أمام الموت، فإذا كانت الحياة على الأرض خالدة بلا موت لما شعرنا بقيمتها، ولكن تلك النهاية الحتمية تجعل الأيام والسنين فرصة لا تعوض ويجعل كل دقيقة من الحياة يجب أن تكون لها معني. فالذى يدرك الموت يدرك معنى الحياة، والوعى بالحياة لابد أن يتبعه الفعل فى الحياة. فحين قال الفيلسوف ديكارت: «أنا أفكر إذن أنا موجود» تعرض للنقد كثيرا،ً إلى أن قال المفكر الفرنسى «Mainde Biran»: «أنا أفعل إذن أنا موجود».

وهذه هى الحقيقة فتحقيق هدف الوجود هو الذى يجعل للحياة معني، ويقول المفكر إيمرسل: «إن ميلادك فى هذا العالم لم يكن خطأ، فأنت ضيف مدعو إلى مأدبة الحياة، والذى دعاك ليس شحيحاً أنه كريم جداً، والكرم الإلهى يختفى فى مكان ما وراء سر خلقتك على مستوى شخصي». فالخالق الذى أبدع كل شيء فى الحياة كان له قصد وراء كل ما أبدعه وخلقه، فوجود كل شخص فى فكر اللـه له معني، ودورنا فى الحياة هو الذى يجعل لحياتنا معني. لذلك فوجودنا وهدف حياتنا نابع من إيماننا باللـه وبتدبيره كخالق يحكم كل شيء.

لذلك نجد أغلب الملحدين كانوا يدورون فى دائرة العبث، فيقول هيدجر الفيلسوف الوجودى الملحد: «إن وجود الإنسان هو وجود لأجل الموت». ويقول سارتر الفيلسوف الملحد: «كل إنسان يولد دون مبرر ويستمر عن ضعف ويموت دون هدف».

هؤلاء وغيرهم من الذين لا يؤمنون بوجود اللـه أو من لا يهتمون بوجوده يفقدون المعنى للحياة والوجود، فالعبث كائن فى كل شيء بلا معني، والمعنى كائن فى وجود خالق صنع كل شيء بحكمة وتدبير. وعلينا أن ندرك وجودنا وحياتنا فى ضوء الخطة التى صنعها الإله العظيم للكون، بل شعورنا بالتعاسة وعدم القيمة يأتى حين لا ندرك الدور الحقيقى الذى لأجله أراد اللـه أن يخلقنا، وعلى هذا المعيار يجب أن نحاسب أنفسنا.

فتكون حياتنا هى الخير والنور حين نحيا لتحقيق هذا الهدف، وتكون حياتنا هى الشر حين لا نحقق وجودنا ودورنا فى الحياة. لذلك فالخير والشر فى داخلنا، ونحن أحرار فى تحقيق إرادة الخير أو نرفضها ونحقق الشر.

وفى قصة شهيرة للكاتب روبرت لويس وهى «الدكتور جيكل والسيد هايد» يحكى فيها عن الصراع بين الخير والشر داخل الإنسان، فالدكتور جيكل وهو الرجل الطيب والذى يسعى للخير كان يشعر بأن فى داخله شخصا آخر فيه نزعات شريرة وضد شخصيته الأصلية.

وكان الدكتور يعمل فى دراسة فصام الشخصية واستطاع فى أبحاثه أن يخترع دواء يستطيع أن يخرج الشر الذى فى داخله بصورة ملموسة، فحين يتناول جرعة من هذا الدواء يتحول إلى شخص شرير اسمه «السيد هايد» وتتحول ملامحه من إنسان خير ومسالم إلى إنسان شرير، يتحول شكلاً وموضوعاً من الخير إلى الشر. وظل يتناوب على الشخصيتين جيكل الهادئ الوديع ذو الملامح البريئة ثم يتحول إلى هايد الشرس الشرير بعد أن يأخذ جرعة الدواء. إلا أنه فى مرحلة معينة أصبح يتحول إلى هذا الشرير دون أخذ الجرعة فقد سيطر الشر على كل كيانه. وحين أدرك هذا تناول جرعة السم ومات وهو السيد هايد ولم يعد للدكتور جيكل وجود.

عزيزى القارئ وإن كانت هذه قصة مؤلفة ولكن فى حقيقة الأمر، تشير إلى شيء مهم وهو عدم حسم قضية الوجود والتردد بين الخير والشر. فإما أن تحيا وتجاهد فى الحياة لتحقيق إرادة اللـه فى الخير، أو ستجد وجودك كله مهددا، فلا يوجد حالة وسط إما أن تكون أو لا تكون.

> كاهن كنيسة المغارة الشهيرة

بأبى سرجة الأثرية

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف