المصرى اليوم
أحمد الصاوى
خذوا الكوبرى وأعطوه القانون!
لم يختلف «أبانوب جرجس» عن شهداء آخرين مسلمين كانوا أو مسيحيين، مثله مثل محمد وأحمد وبطرس وكيرلس وغيرهم، ماتوا لأنهم مصريون، ولأنهم يمثلون هذا الوطن، ولأنهم يرتدون زى جيش مصر الوطنى.

الإرهاب الذى قتل أبانوب، مطلع يوليو 2015، فى هجوم على مدينة الشيخ زويد- لم يكن يفرق بينه وبين أحمد، لم يوجه له لأنه «مسيحى» دفعات رصاص أكثر من المسلم، لم يستند فى قتله لفتوى مغايرة لفتوى قتل المسلم، كلاهما كانا سواءً عند القاتل، ومعهم كل من يرتدى زى الجيش الوطنى، ويرفع علم مصر، ويتمسك بالأرض، ويدافع عنها.

«أبانوب» الذى ربما تعبر الكوبرى المسمى باسمه ذاهباً إلى شبه جزيرة سيناء أو عائداً منها كان مثل كل المؤمنين بالعقيدة المسيحية، يتعبد بقناعاته، ويخدم كنيسته، ويؤدى طقوسه، ويحتفل بعيد الميلاد، ويحضر القداس الكنيسة.

التشابه بين «أبانوب» والمئات من الأقباط فى «كفر الواصلين» بأطفيح كبير جداً، ذات الإيمان وذات الرغبة فى أداء الصلوات فى وطن يحبونه، ويرجون أن يبادلهم الحب، وقدر كبير من التشابه قائم، للأسف، بين من قتلوا أبانوب ومن اعتدوا على كنيسة الأمير تادرس بالقرية، لتحطيم الجرس وفرض منع الصلاة وإبقاء المبنى بلا صلبان.

الإرهاب يبدأ بالتصنيف، حتى يقتلوك لا بد أن تصبح «آخرَ»، وكما صنف الإرهابيون الجيش المصرى عدواً، وشرعنوا هذه العداوة بفتاوى عن «الردة وإعانة الظالمين وإعانة منع تطبيق فهمهم شرع الله»، صنف المتطرفون فى أطفيح المسيحيين (آخرَ)، حتى بات وجودهم يستفز مشاعر مغموسة فى الاحتقان والطائفية، والحديث عن وضع جرس على المبنى الكنسى يكفى ليجرى الغضب فى عروقهم، ويتحرك العنف من مكامنه، وينتهى تحطيماً وتهديماً وسط الهتاف، وكأنهم «المسلمون الأوائل يحطمون الأصنام حول الكعبة».

تخيل أن «أبانوب» الذى دافع عن الأرض بروحه ودمه مثله مثل غيره، ولم تنل منه رصاصات الغدر، لأنه بالضرورة مسيحى، وإنما لأنه يخدم الوطن بإخلاص، يحاول الآن أن يحتفل بعيد الميلاد، يزور بعض رفاقه فى كفر الواصلين، يبحث عن «كنيسة بلا صلبان»، فيجد صلاته (مجرد الصلاة) يعتبرها البعض عملاً استفزازياً وعدائياً، ونداؤه على الصلاة كأنه جريمة كبرى تستدعى الاستنفار وعقد الجلسات العرفية والانتصار «الرسمى» للتطرف ومنهجه وشروطه، والتعامل مع المسيحى باعتباره مشكلة لمجرد وجوده، وعليه أن يتحرك بحساب، ويتحدث بحساب، ويحتفل بحساب، ويصلى، أيضاً، بحساب حتى لا يستفز مشاعر المتطرفين الذين تضع «أجهزة فى الدولة» مشاعرهم فوق القانون، ونصوصه وفوق الدستور، ومبادئه فوق الإنسانية وشروطها وفوق الإسلام أيضاً وأحكامه المعلنة الواضحة المشهرة فى كتاب الله.

ما قيمة دم «أبانوب» والذين معه إذا كان يعجز أن يُؤمّن وطناً للجميع، كما يموت من أجله الجميع؟

وما قيمة الاسم على الكوبرى إن كان صاحب الاسم ممنوعا من الصلاة، وممنوعا من النداء عليها، وممنوعا من الاحتفال بميلاد المسيح الذى يقدسه أهل مصر كلهم، وممنوعا من تلقى التهانى، ومُؤثّما فى اعتقاده الذى لا يخص أحدا سواه، ومؤثما فى وجوده، وكأنه ارتكب خطيئة الوجود فى هذا الزمان والمكان؟!

قبل أن نبنى لـ«أبانوب» كوبرى، فلنبنِ له دولة المواطنة والقانون، التى تحمى جميع مواطنيها على السواء، وتتصدى بالقانون وحده لا الجلسات العرفية لكل تجاوز فى حق البشر أو الحجر أيّا كان دين البشر أو هُويّة الحجر.

خذوا من أبانوب الكوبرى، وأعطوه القانون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف