الدستور
مدحت بشاى
لا لتبرئة اليهود من دم المسيح
لا شك أن أمر تهويد القدس، بات السعى إليه من جانب حكومة الاحتلال واضحًا ومتسارعًا منذ عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية بالقرب من ساحة البراق بالقدس القديمة المحتلة، فى شهر مايو الماضى، بمناسبة مرور ٥٠ عامًا على احتلال الشطر الشرقى منها، وقد سعى نتنياهو وحكومته من أجل تهويد القدس المحتلة بكاملها، وتشويه هويتها العربية الفلسطينية.
لقد جاء اجتماع الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان إسرائيل منذ فترة عن مشاريع ضخمة تحت ادعاء أنها مشاريع سياحية، ومنها مخطط القطار الهوائى تجاه حائط البراق وجبل الزيتون، بالإضافة إلى مسار آخر لحدائق توراتية فى جبل الزيتون مقابل المسجد الأقصى، وحتى محيط الأقصى فى منطقة باب الأسباط ستكون حدائق يهودية، إضافة للتواصل مع منطقة سلوان، ويقال إنه تم الحديث عن قرب افتتاح المدينة اليهودية المستحدثة تحت المسجد الأقصى، وهناك تغييرات كبيرة تُجرى فى القدس وحتى بمداخلها، ومنذ فترة نعيش واقعًا أن العمل فى القدس ليس فقط فيما يعرف بـ«الحوض المقدس» وهو البلدة القديمة والشيخ جراح، وإنما يطال بيت حنينا وشعفاط وغيرهما.
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال التالى: هل كان السبب فى العجرفة الصهيونية ما صدر عن المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمى فى ديسمبر عام ١٩٦١ فى العاصمة الهندية نيودلهى، والقرار الغريب بتبرئة اليهود من دم المسيح، وليس فقط هذا، بل الأدهى والأمر أن المؤتمر وجه تحذيرًا للكنائس ألا تُعمل عكس ذلك فى كنائسها ما يمثل معاداة لليهود، ولدرجة أن يصف كاهن بروتستانتى المسيحية بالعنصرية، وحمل الكنائس تبعة «معاداة السامية».. فهل كانت نتائج المؤتمر حافزًا تم استثماره بعد نكسة ١٩٦٧ لتحقيق حلمهم فى أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل بدعم أمريكى غير قانونى وغير مقبول؟!
ولكن ولمن لا يعلم، كان لكنيستنا المصرية موقفها الحاسم بعد فحص المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى جلسته فى ١٣ فبراير سنة ١٩٦٥ ميلادية الموافق ٦ أمشير ١٨٦١ للشهداء ما يقع على اليهود من مسئولية فى صلب السيد المسيح وقرر الآتى:
- يشهد الكتاب المقدس فى وضوح أن اليهود صلبوا السيد المسيح له المجد، وتحملوا مسئولية صلبه حين أصروا على ذلك بقولهم لبيلاطس البنطى: «اصلبه اصلبه. دمه علينا وعلى أولادنا» (يو ٣٢ ومت ٧٢). وحكم عليهم معلمنا بطرس الرسول بقوله هذا أخذتموه مُسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدٍ آثمة صلبتموه وقتلتموه (أ ع٢) وقال لهم أيضًا «ولكن أنتم أنكرتم البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه» (أ ع٣) ووبخهم القديس أسطفانوس أول الشهداء قائلًا «أى الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلتم الذين سبقوا، فأنبأوا بمجىء البار الذى أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه» (أ ع ٦: ٢٥).
- لا تشمل هذه الإدانة جماعة معينة من اليهود دون غيرها، وإنما توجه بها بطرس الرسول إلى اليهود من كل أمة تحت السماء (أ ع٢)، وقال بولس الرسول عن اليهود بصفة عامة إن اليهود قتلوا الرب يسوع والأنبياء واضطهدونا وهم لا يرضون الله ويقاومون جميع الناس ويمنعوننا أن نكلم الأمم لخلاصها حتى يتمموا خطاياهم كل حين، فإن غضب الله قد حل عليهم إلى النهاية (١ تس ٢).
- هذا وإن الرحمة الحقيقية نحو الخطاة لا تكون بتبرئتهم من خطئهم، وإنما بهدايتهم وإرشادهم حتى يتوبوا، ويؤمنوا لتغفر لهم خطاياهم كما قال القديس بطرس توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم، والرسول بولس يعلن هذا بقوله سيخلصون متى نزعت خطاياهم.
على جانب آخر، وحسب مصادر داخل مركز المعلومات الفلسطينى، تحدد ممتلكات الأقباط فى القدس التى ينبغى إعادة المطالبة بكل الحقوق فى ملكيتها، ولأن المحاكم الإسرائيلية قد حكمت لمصر وكنيستنا بملكيتها، وتمتنع السلطات المحتلة عن تنفيذها، التى منها:
دير السلطان وبه كنيستا الملاك والأربعة حيوانات، ودير مار انطونيوس شمال شرقى كنيسة القيامة، ودير مار جرجس فى حارة الموارنة.. وكنيسة السيدة العذراء بجبل الزيتون، وهيكل على جبل الزيتون، وكنيسة مار يوحنا، وكنيسة صغيرة باسم الملاك ميخائيل ملاصقة للقبر المقدس من الغرب.
وتمتلك الكنيسة القبطية بعض المؤسسات ذات الطابع المدنى، ولعل أشهرها المدارس القبطية، حيث أقامت بطريركية الأقباط فى القدس الكلية الأنطونية للبنين، وبعد ذلك كلية الشهيدة دميانة للبنات، وهما مدرستان يحصل فيهما الطالب على شهادة الدراسة الثانوية، والالتحاق بهما لا يقتصر فقط على أبناء الطائفة القبطية فحسب، بل فتحت أبوابهما أمام الجميع، وكذلك هناك رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس، ففى عام ١٩٤٤ تم فى القاهرة إنشاء هذه الرابطة، من أجل حفظ تراث الأقباط فى مدينة القدس، وتيسير إجراءات الزيارات إلى الأماكن المقدسة فى المدينة. وعليه، وفى ظل التنسيق الأمريكى ــ الصهيونى لتهويد تلك المدينة المقدسة، أرى أن المطلوب المزيد من تحركات وجهود الأزهر الشريف وكنيستنا المصرية بدعم ورعاية وزارة الخارجية الرائعة، ما دام الصراع بات دينيًا، وأن تجدد كنيستنا إعلانها إدانة اليهود بقتل السيد المسيح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف