الوطن
محمد حبيب
جماعة تعيش قياداتها خارج الزمن (٢)
(١) ذكرنا فى المقال الفائت أن كاتب هذه السطور، فى أثناء ترؤسه جلسة مكتب الإرشاد صبيحة الأربعاء ٢١ أكتوبر ٢٠٠٩، تلقى هجوماً من قبل «د.بديع» و«د.غزلان» بسبب حواره الذى بثته قناة «الجزيرة» وأيضاً حديثه الذى أدلى به لصحيفة «الشروق»، وأن هذا وذاك تضمّنا -حسب فهمهما- إفشاء أسرار الجماعة(!)، الأمر الذى دل على أنهما (ومن لف لفهما من الأعضاء الآخرين) يعيشون فى زمن مضى، وكأننا لم ندخل بعد عصر ثورتى المعلومات والاتصالات والسماوات المفتوحة.. ولا شك أن قيادات على هذا النحو العجيب والغريب لا بد أن يكون مآلها الفشل فى أى عمل تقوم به مهما كان صغيراً، فما بالنا وقد وصلت إلى قمة هرم السلطة فى مصر.. وقد حاولت قدر جهدى آنذاك أن أنتقل بهما وبالجميع إلى ما يتحلى به العصر من تقدم تقنى ومعلوماتى.. قلت: يا إخوان.. يجب ألا نكون خارج خريطة الزمن، فما كان يصلح بالأمس لم يعد يناسب اليوم بأى حال.. لقد تغيرت الظروف، وأصبح العالم اليوم قرية صغيرة يعرف الواحد فيها كل ما يجرى ويدور حوله.. لكن للأسف، لا يزال منا من يعيش بعقله وإدراكه السطحى فى «بئر السلم»، غير قادر على الخروج منه إلى الفضاء الواسع.. نعم سوف يحتاج الأمر إلى وقت وجهد لاستيعاب ذلك، لكنه أمر ضرورى وحتمى، حضارى وإنسانى.. يا إخوان.. دعونا نفرق بين ما هو عام وخاص، بين ما يجب أن يُعرف وما لا يُعرف.. أنتم للأسف تريدون اعتبار الجماعة كلها كياناً سرياً لا يعرف عنه أحد شيئاً.. هل نسيتم أن محاور الخطة الماضية (٢٠٠٥ - ٢٠٠٨) هى الانفتاح على المجتمع وإيقاظ الأمة لمواجهة التحديات؟ قولوا لى بالله عليكم: كيف يمكن أن يتم ذلك وأنتم منغلقون على أنفسكم، معزولون عن المجتمع لا تعرفون ما يجرى فيه، ولا هو يدرى عنكم شيئاً؟! حتى الأحزاب والقوى السياسية لا تريدون أن تتصلوا بها ولا أن تفتحوا حواراً معها.. وقد صرح بعضهم أكثر من مرة بأنه إذا أقبلت عليكم الدنيا، قلتم لهم: لا شأن لكم بنا، وأن ما يجرى هو شأن داخلى.. أما إذا حلت بكم ضائقة، إذا بكم تستغيثون بالقاصى والدانى، بل تعيبون على الآخرين عدم وقوفهم معكم!!

(٢) ثم استطردت قائلاً: يا إخوان.. أنا لا أريد بذلك أن نضع أحشاءنا على قارعة الطريق لينظر إليها الغادى والرائح.. ما لهذا قصدت.. فمن المعلوم بداهة أن أى شركة أو مؤسسة أو هيئة أو حتى بنك له خصوصيته وأسراره التى لا يجب أن يطلع عليها أحد، لكن فى الوقت ذاته لا بد أن يكون هناك بعض أو قدر لا بأس به من المعلومات متاح للجميع، وإلا فكيف يتم اجتذاب العملاء، أو التعامل مع المجتمع بأفراده ومؤسساته؟! واجبنا إذن هو أن نميز بين ما هو عام وخاص، وبالتالى معرفة ما هو القدر العام الذى يمكن، بل يجب أن يتاح للجميع.. ونأتى للسؤال المهم، وهو: هل ما قيل فى حوار «لقاء اليوم» بقناة «الجزيرة»، أو «القاهرة اليوم» بقناة «أوربت»، أو بجريدة «الشروق» يدخل فى إطار الخاص الذى يمكن اعتباره شأناً داخلياً لا يجوز الحديث فيه إلى وسائل الإعلام؟! والجواب هو: بالقطع لا.. بل إن كل ما قيل هو فى خدمة الجماعة، ومحاولة لتجميل صورتها.. أنا أعتقد أن معظم -إن لم يكن كل- من شاهد أو قرأ كل ما قلته من المراقبين والمحللين والسياسيين المنصفين كان منبهراً به، بل إنه اعتبر ذلك نقلة نوعية للجماعة.. إن ما قيل فى هذه الحوارات الثلاثة حاولت فيها -على خلاف الحقيقة والواقع- دحض كل الشبهات التى يروج لها كل الخصوم بأن الجماعة «ظلامية»، يقودها رجل واحد هو المرشد، يدين له جميع الأفراد بالسمع والطاعة (دون قيود أو ضوابط) ولا تمارس فيها الشورى، وتخفى أموراً هى مثار ريب وشكوك.. وإلا فلِمَ هى تسدل ستاراً سميكاً من الغموض والضبابية، بل السرية على كل ما يجرى بداخلها؟!

(٣) يا إخوان.. أنتم -بانكفائكم هذا- تساعدون النظام الحاكم على تنفيذ استراتيجيته التى تتلخص فى «حبس» الإخوان داخل التنظيم، بمعنى أن تتحول الجماعة إلى كتلة مظلمة مصمتة لا يعرف عنها أحد شيئاً، وبالتالى يستطيع أن يروج حولها من القصص والروايات ما يشاء، فيلوث سمعة أفرادها، ويثير الغبار حول كل ما يتعلق بها؛ المنهج، الوسائل، الأدوات، الآليات، والأهداف.. ومن ثم ينجح فى فض الجماهير عنها وتفزيع الناس منها.. أيضاً، أنتم بانغلاقكم هذا تعطون الفرصة للنظام الحاكم لتشكيل محاكم عسكرية لأفرادكم، واعتقال نشطائكم، وملاحقة عناصركم المفصلية، ومنع فعالياتكم من أن يكون لها وجود أو اتصال بالمجتمع على المستوى العام.. وإذا كان المشروع الأمريكى/ الصهيونى يخطط لتفتيت المنطقة، وتركيع الأمة، والاستيلاء على ثرواتها ومواردها، والقضاء على خصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضارى، فأين نحن من هذا كله، وأين دورنا المنتظر أو المتوقع منا؟! هل حاولنا الارتقاء بالوعى العام على المستوى المصرى، بل على المستوى الإقليمى والدولى من خلال الفضائيات بشأن هذا المخطط؟

سكت الأعضاء جميعاً ولم ينبس أحدهم ببنت شفة.. نظرت فى وجوههم، ثم قلت: هل بقى هناك ما تريدون السؤال عنه؟!

قالوا: لا..

(٤) اكتشفت بعد ذلك -للأسف- أن بعضاً من أعضاء مكتب الإرشاد (د.محمد مرسى تحديداً) انطلق يعقد لقاءات مع بعض المكاتب الإدارية ليروج لفرية مفادها أن المكتب قام بتوجيه اللوم لكاتب هذه السطور، بل وصل الكذب إلى درجة أن مكتب الإرشاد قام بالتحقيق معه (!!) ليس هذا فقط، إنما أشاعوا لدى الإخوان فى بعض المحافظات أن النائب الأول أخطأ فى كذا وكذا، مستغلين فى ذلك اتصالهم بأفراد الصف الذين لا يعرفون حقيقة ما جرى.. كنت أود أن تنقل الصورة كاملة دون تحوير أو تزوير، وليس من منطلق «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة».. وتلك هى خيانة الأمانة بعينها.. مع ذلك، كنت أريد أن تتاح الفرصة لكى أرد وأوضح وأبين، لكنهم وضعوا كافة العراقيل للحيلولة دون ذلك.. وكان واضحاً أن المؤامرة تمضى قدماً حسبما كان مخططاً لها.. وقد رصدت تحركات غير عادية، تستهدف تشويه صورتى ومحاولة اغتيالى معنوياً بأسلوب لا أخلاقى، خاصة بين عدد من أعضاء مجلس الشورى العام ممن يدينون لهم بالولاء.. وغنى عن البيان أنى كنت حزيناً على هذا التردى، فمحال أن توفق أو يكتب النجاح لقيادة هذا هو سلوكها.. فما حدث كان له ما بعده، إذ «لا يصح فى النهاية إلا الصحيح»، وكما يقول ربنا جل وعلا: {...فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد: ١٧).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف