الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
مصر الجديدة - مصر أم الدنيا.. كيف ؟
مصر أم الدنيا جملة دائما تقال في معرض الفخر بتاريخ مصر. فمصر أقدم الحضارات أو من أقدمها. لا يبتعد الوصف بأم الدنيا عن قدم مصر والتباهي بحضارتها القديمة. والحقيقة أن هذا معني لا أستسيغه فهو بالضبط مثل أن تقول لشاب عن رجل عجوز هذا في مقام والدك عيب أن تعارضه بينما يكون العجوز للأسف قد دخل مرحلة الخرف. مصر أم الدنيا تعبير له معني آخر أعمق. قديما في العصور الفرعونية لم يكن هناك دول ينزح أهلها إلي مصر بل إذا ظهرت شعوب كانت تأتي غازية يطول بها المقام أو يقصر فتخرج مهزومة. وفي الوقت الذي امتدت فيه الدولة المصرية إلي الشام وتخوم العراق وشرق أفريقيا في بعض الفترات الفرعونية لتأمين حدودها لم يكن هناك هجرات إلي مصر يشار إليها في التاريخ. وأعني بالهجرات هنا استقرار المهاجرين. بلا شك كانت هناك أعداد من المهاجرين لكنهم لم يتركوا خلفهم أثرا يدل عليهم وعلي إنجازاتهم. بدأت الهجرات في الاستقرار مع العصر اليوناني أو البطلمي. وفد إلي مصر يونانيون كما وفد يهود واستقروا بها. واستطاع اليونانيون منح مصر وضعا عالميا بما أنجزوه من مكتبة الإسكندرية وجامعتها واستقرار كثير من العلماء والمفكرين الذين يضيق المقال عن ذكر أسمائهم. استمر الأمر علي ذلك أكثر من سبعة قرون منذ القرن الرابع قبل الميلاد إلي القرن الثالث الميلادي وعرف هذا العصر أو عرفت قرون الازدهار الأولي منه بالعصر الهلليني أو العصر السكندري نسبة إلي مدينة الإسكندرية التي صارت مدينة العالم. هنا نستطيع أن نقول إن مصر كانت أم الدنيا فالغرباء يجدون فيها مجالا لإبداعهم وعلومهم ومنها تنشر في كل العالم. تناقص الأمر بعد الاحتلال الروماني وبالذات في سنواته الأخيرة قبل دخول العرب إلي مصر ثم استمر في التناقص بعد ذلك حتي تلاشي تماما ولم تعد مصر تمثل للعالم ثقافة ما أو إبداعا ما أو علما ما وإن كانت بالداخل لم تفقد الفنانين والمعماريين الذين لاتزال آثارهم بيننا. صارت مصر هدفا لكل الطامعين لما فيها من خيرات وموقع مهم وإن ظلت علي طول التاريخ الإسلامي لا تتخلي عن عاداتها القديمة الطبيعية أن يمتد مجالها الحيوي إلي الشام والجزيرة العربية. لكن أيضا عرفت مصر هجرات المغاربة وبالذات بعد ضياع الأندلس أو لأنها في طريقهم إلي الحج كما عرفت هجرات الشوام وكان الأزهر كما هو لايزال عامل جذب لرجال الدين ومفكريه. ضاق معني مصر أم الدنيا كما أفهمه عما كان في العصر البطلمي وأوائل العصر الروماني لكنه ظل موجودا وإن علي استحياء. ثم حدثت القفزة الكبري مع محمد علي باشا الذي كان من أهم مراسيمه مرسوم بحرية العبادات بعد أن كان تتم التفرقة في كل شيء بين المسلم والمسيحي والمسلم واليهودي. انفتحت مصر علي العالم أو بمعني أدق انفتح العالم علي مصر وتوافدت الهجرات إليها خاصة مع مشاريع محمد علي الكبري وأبنائه. علي الناحية الأخري كانت مصر ترسل البعثات إلي أوربا كما يأتيها الأوربيون والشوام والأرمن والأكراد المضطهدون من الدولة العثمانية واليهود المضطهدون في أوربا وحتي الروس الذين هربوا من القيصر جاء بعضهم إلي مصر. كل النهضة قامت علي العائدين من البعثات لكنها أيضا قامت بشكل أكبر علي هؤلاء القادمين هاربين من الظلم في بلادهم من كل الملل. أسسوا الصحف والمجلات والمسرح والسينما فيما بعد وصارت مصر كما كانت في العهد البطلمي أم الدنيا. وعلي الناحية السياسية أخذت مصر بالليبرالية رغم وجود الاستعمار البريطاني والملكية لكن استطاع مثقفو ذلك العصر الوصول إلي مجلس النواب كما وصل الباشوات فلا فرق وعرفت مصر تعدد الأحزاب ومهما قيل عن أحزاب الأقلية وتعاونها مع الملك أو الإنجليز فتقريبا هي التي حكمت فالوفد الحزب الشعبي الكبير ابن ثورة 1919 لم يحكم إلا سنوات قليلة متفرقة. حتي أحزاب الأقلية هذه كانت وراء النهضة في الصناعة والزراعة والعمارة والفنون وغيرها وإلا كيف تفسر جامعة القاهرة وبنايات القاهرة والإسكندرية وغيرها المتوسطية الطابع والحدائق التي أقيمت علي النمط الفرنسي وغيرها. هل كلها حدثت في سنوات حكم الوفد القليلة ؟ بعد 1952 حدثت الدعوة القومية التي لم يكن عيبها الرغبة في توحيد العرب لكن كان عيبها في الديكتاتورية وبدء نزوح الأجانب بسبب قلة الحريات عما هو قبل أو بسبب التأميم لمشاريعهم. تقلص وضع مصر في العالم رغم صياح الساسة ثم تقلص تماما مع ظهور الدعوة التي رفعت شعار الإسلام كحل وحيد فتم تكفير كل من هو غير مسلم حتي أقباط مصر ولايزال هذا التفكير الذي توازت معه ديكتاتورية الحكم. هل تريدون أن تكون مصر أم الدنيا ؟ عودوا إلي الزمن القديم واعرفوا السبب وافتحوا له الطريق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف