فيتو
بشير حسن
لا أهلا ولا سهلا
أمريكا تتحدى العالم وتخرج لسانها للعرب والمسلمين، التحدي ليس فقط في قرار ترامب الخاص بنقل سفارة بلاده إلى القدس بعد الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.. ولكنها أيضًا في زيارة نائبه "مايك بينس" غير المرحب بها إلى المنطقة، وإذا كان خطاب ترامب الذي أعقب قراره المشئوم قد حمل بين ثناياه تهديدًا للمعترضين وغلًا تجلى في ضغطه على القلم أثناء التوقيع ثم عرضه أمام الكاميرا.. فإن ما قاله بينس في نفس اليوم يحمل فجورًا وبجاحة غير مسبوقة، وإذا كانت الكاتبة الأمريكية "ديانا باس" قد أكدت في مقالها لــ (سي إن إن) أن قرار ترامب بنقل السفارة كان إلهيًا، فكل المؤشرات تؤكد أن "بينس" هو إله الشر الذي أوحى لترامب بأهمية نقل السفارة في هذا التوقيت، ليس لوجه الله.. ولكن لينجو الاثنان وشريكهما اليهودي جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، من ملاحقات أوشكت على الإطاحة بهم من البيت الأبيض.

وقوف "بينس" خلف ترامب أثناء توقيعه على القرار المشئوم ثم رسالته لإسرائيل في نفس التوقيت.. توحي بأنه ضالع في التخطيط لإشعال المنطقة، حيث تحدث عن الشرف العظيم الذي ناله هو وترامب بوقوفهما إلى جانب إسرائيل وسعادته البالغة بأن القدس ستظل الوطن الأزلي للشعب اليهودي، وأنه وترامب منذ بداية حملتيهما الانتخابية حرصًا على مساندة إسرائيل لأن قضيتها العادلة هي قضيتهما وكفاحها هو كفاحهما ومصيرها هو مصيرهما، وتحدث عن جيران إسرائيل الذين يسعون إلى محوها من الخريطة، لذلك طالب العالم بالوقوف بجانبها، كما تحدث عن الإرهاب الذي يهدد إسرائيل، ولا أعرف إذا كان "بينس" يتحدث عن إرهاب القاعدة أم داعش، فالاثنان من صنيعة بلاده ولم يضبطا متلبسين بطلقة واحدة وجهاها إلى تل أبيب أو حتى مجرد تهديد، وفي تخلٍ واضح عن الرعاية المزعومة للسلام في المنطقة.. يعلن "بينس" أن إسرائيل ليست فقط الحليف الأهم لأمريكا.. لكنها أيضًا الأعز، ولو لم يقدم هو وترامب شيئًا فيكفيهما الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية.

لا أهلا ولا سهلًا.. شعار رفعه الجميع في وجه "مايك بينس" عندما أعلن عن زيارته للمنطقة، وعلى الرغم من رفض استقبال شيخ الأزهر والبابا تواضروس له وأيضًا الرئيس الفلسطيني.. إلا أن "بينس" أصر على الزيارة، ضاربًا بحالة الغليان التي عمت المنطقة عرض الحائط .. نائب ترامب سوف يلقي خطابًا في الكنيست، وسوف يحتفل مع الإسرائيليين بما أقره وشريكاه ترامب وكوشنر، وبالتأكيد سوف يصم أذنيه عن صيحات الفلسطينيين التي تهز أرجاء العالم فتحرك ضمائر الأحرار، بعد أن ماتت ضمائر الكثيرين من العرب.

"بينس" يعلم مسبقًا أن نضالنا شعارات، وحروبنا سوف تقتصر ميادينها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن البطحات الكثيرة على رءوسنا لم تلزمنا فقط السكات.. لكنها ألزمتنا الانبطاح، أما إسرائيل.. فجربتنا عندما أحرقت المسجد الأقصى، ثم عندما دنسه شارون باقتحامه له فاكتشفت أننا نثور لنهدأ، حتى الذين صدعونا بالهتاف للأقصى فتحوا قنوات صداقة مع إسرائيل عندما وصلوا إلى سدة الحكم.

وعلى نفس درب ترامب.. يسير نائبه "بينس"، فأمس الأول صدرت له تصريحات أكد فيها أن إيران خطر على المنطقة لأنها تمارس الإرهاب وتقتل الأطفال، معتقدًا أنه بذلك يرضي العرب، وأنهم سوف يفتحون أحضانهم لاستقباله، تمامًا مثلما فعل ترامب فابتز دول الخليج.

هذا ليس دفاعًا عن إيران التي لا تقل أطماعها في المنطقة عن أطماع إسرائيل، ولكن "بينس" تناسى أن الصهاينة احترفوا قتل الأطفال بداية من مدرسة بحر البقر وانتهاءً بالانتفاضة الثانية ثم الثالثة التي بدأت مع قرار ترامب، بل إنهم يضعون الأطفال هدفًا لنيرانهم، ومشهد مقتل الطفل محمد الدرة وهو في حضن أبيه سيظل شاهدًا على وحشية الاحتلال الإسرائيلي.

زيارة "بينس" الإنجيلي المتطرف في الوقت الحالي غير مرغوب فيها؛ لأنها تحمل استهانة بمشاعر العرب والمسلمين، ومكايدة سياسية وبلطجة على منطقة ستظل تلملم أشلاءها بسبب إرهاب يحمل شعار «صنع في أمريكا».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف