المصرى اليوم
أحمد الصاوى
مزايدات السياسة والسياسيين.. الحلم النووى نموذجاً
بعض من ردود الأفعال حول توقيع مصر وروسيا اتفاق البدء فى مشروع الضبعة النووى يثير الاستغراب على أكثر من مستوى، خاصة تلك التعليقات التى لا تتوقف فقط عند مخاوف الأمان التى تطرح نفسها وسط مجتمع وإدارة أقل كفاءة فى إدارة الكوارث والمصائب، لكنها تمتد إلى أهمية المشروع وجدواه من الأصل.

عندما تتحدث عن مشروع الضبعة لابد أن تعود ذاكرتك الحديثة على الأقل لمعركة كبرى حدثت فى أواخر عهد مبارك حول أرض المشروع بين عدد من رجال الأعمال المدعومين من حكومة نظيف وقتها، وخبراء المشروع والطاقة النووية مدعومين بقطاعات واسعة من الرأى العام وصحف المعارضة وقتها.

حين ظهر طرحٌ يخص أرضَ المشروع، ويفضل استثمارها فى مشروعات سياحية وعقارية، تصدى له رأى عام كان فى وقتها متحفزًا ومتنمرًا ضد سياسات حكومية لا تخدم إلا مجتمع الأعمال، ولا تراعى سوى مصالحهم وآرائهم ورغباتهم، ولا تستجيب إلا لضغوطهم، ما جعل المشروع متأرجحًا بين التنفيذ والإلغاء، أو التنفيذ فى منطقة أخرى مع تخصيص أرض الضبعة لمشروعات يقول من يتحدثون عنها إنها تدر عوائد يمكن إعادة استثمارها فى مشروعات الطاقة بمناطق مختلفة، ويكفى أن تعود لأرشيف الصحف فى عهد مبارك لتدرك كم مرة كان مشروع الضبعة جزءًا من المانشيت ومن أجندة المشروعات التى يجرى ترويجها للناس، ثم تختفى بفعل هذا التنازع.

ما هو مستغرَبٌ ليس تكتل رجال أعمال خلف مصالحهم، ولا مخاوف أناس من عوامل الأمان بالنظر إلى تجارب مصرية خاصة فى إدارة الأزمات وبين تجارب عالمية لدى دول صارمة فى معدلات الأمان، ورغم ذلك لم تنجُ من حوادث وكوارث كبرى بسبب مفاعلاتها النووية.. وإنما فى قطاع من الكُتاب والإعلاميين وقادة الرأى والسياسة كانوا فى طليعة المدافعين عن مشروع الضبعة النووى فى عهد مبارك، والرافضين حديث رجال الأعمال عن أرض المشروع، يهاجمون اليوم أول خطوة عملية للبدء فى إنشائه تحت دعاوى مختلفة، بدءًا من معدلات الأمان، إلى حجم الاستثمار وعوائده وجدواه، وإلى القدرة على استثمار الأرض فيما هو أعلى عائدًا.

هنا أنت غارقٌ فى السياسة ومزايداتها بالشكل الذى أصبحت فيه أى خطوة من السلطة محل سخرية ومعارضة واستخفاف مهما كانت أهميتها، على الرغم من أن تلكؤ حكومات مبارك فى تنفيذ هذا المشروع كان أحد سهام النقد التى توجه لها، ومن ذات الأطراف التى تنتقد البدء بالمشروع اليوم.

رغم كل شىء تأخرت مصر كثيرًا عن استغلال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، رغم أن مشروعها النووى ربما أقدم من مشاريع مماثلة فى دول المنطقة سبقت وقطعت أشواطًا كبرى، ولم تتحول مشاريعها إلى مثل هذا الاستقطاب السياسى الواسع، الذى بات لا يفرق بين مصالح كبرى تخص الوطن ومصالح أشخاص بأعينهم لن يكونوا موجودين فى مواقعهم بعد سنوات. حتى إن دولاً لديها أضعاف ما لدينا من مشكلات وفقر وجهل وبؤس امتلكت مشروعاتها النووية وحافظت عليها، فى الوقت الذى لا يملك أغلب مواطنيها «مراحيض» غير الخلاء.

مرة أخرى فى مواجهة مشروع كبير وحقيقى هذه المرة، تجد نفسك واقعًا فى قلب استقطاب يتنازعك بين تضخيم مفرط يستثمر كل خطوة فى صنع بروباجندا كبرى لصالح السلطة والرئيس، وتسطيح كبير ينزع عن كل خطوة أهميتها وجدواها، ويستثمر كل خطأ لضرب فكرة الإنجاز من المبتدأ فى إطار معارضة السلطة والرئيس.

خطورة هذا السلوك الذى صار ثقافة ترسخت وباتت جزءًا من الوعى أنها تحرمك من المناقشة الجدية للأسئلة الجوهرية «كسؤال الأمان النووى مثلاً أو التمويل وطرق سداد القروض» أو طرح ما يدور من أفكار فى سياق جاد يهدف إلى الحصول على إجابات محددة، وليس مجرد تغذية أنصار هذا المعسكر وذاك المعسكر بما يدعم القناعات المسبقة للمنتمين لكليهما.

وتلك «الغلوشة» أيضًا هى التى ربما تطغى على أن توجه أسئلة واضحة لأطراف بعينها، ربما كان على رأسها سؤال محدد: لماذا كان التلكؤ فى مشروع الضبعة النووى فى عهد مبارك دليل خيانة وعمالة وإهدار لمصالح الوطن وبيع للبلد وخصخصة لأحلامها لصالح رجال الأعمال، وصار قطع خطوة فى طريق تنفيذه اليوم محاولةً دعائيةً جديدةً وإهدارًا للثروات وتهديدًا للحياة واسترضاءً للروس وبيعًا لفنكوش جديد؟

إذا كانت الضبعة «فنكوش» فلماذا خضتم وجعلتمونا نخوض معكم المعارك ضد «الأشرار» من رجال الأعمال الذين حاولوا سرقته مع كثير من الأحلام الوطنية؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف