الأهرام
د/ شوقى علام
نحو مجتمع آمن مستقر - الخـلافــة
صاغ المسلمون قضية وجود سلطة عليا جامعة فى المجتمع التى تؤكدها بداهة العقول وتتطلبها حركة الحياة فى الاجتماع البشري، وتفرضها على الكفاية النصوص الشرعيَّة، صاغوا ذلك تحت مسمى”الخلافة”، المأخوذ من خلف، الذى يعنى جعل الشيء مكانا آخر.
ونظراً لأهمية هذه السلطة الجامعة التى تهدف إلى تحقيق الحكم الرشيد فقد لاحظها المسلمون عبر تاريخهم فشرطوا جملة من المؤهلات ينبغى مراعاتها فيمن يشغل هذا المنصب الرفيع، بغض النظر عن المسميات المتعددة له كالخليفة وولى الأمر والسلطان والأمير، وهى تؤسس لأن يكون الحكم رشيدًا من قبل سلطة مدنية تفوضها الأمة وتختارها وتراقبها وتقومها، وقد حافظ على ذلك خلفاء المسلمين – ولو نسبيًّا فى بعض الفترات- لأكثر من 13قرنًا، ابتداء من مبايعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى 13ربيع الأول عام 10 هـ/ 18 يونيو631م وحتى إعلان إسقاط الخلافة وإلغائها فى 22 رجب سنة 1342هـ/ 3 مارس1924م.


لقد اجتهد المسلمون منذ إلغاء الخلافة من الواقع المعاصر فى صياغة عدة مشاريع وبدائل سياسية لمفهوم “الخلافة”، حتى تحيا مقاصده وتتجدد مهامه وتنهض الأمة وتجتمع كلمتها وتحافظ على كيانها مع ملاءمة الواقع ومقتضيات العصر، فنشأت عدة منظمات حقيقية جامعة لأغلب الدول الإسلاميَّة، تهدف إلى تحقيق جمع الكلمة وتعزيز التضامن ودعم التعاون فيما بينهم عبر المجالات المختلفة.
ورغم وضوح مفهوم “الخلافة” نظريا وتحققه واقعًا فى حياة المسلمين عبر البدائل والوسائل المختلفة الملائمة للواقع، فإن أهل التطرف وجماعات التشدد يختزلون هذا المفهوم اختزالا كبيرًا؛ لما يمثله من أهمية كبيرة وقيمة عالية فى نفوس المسلمين، حتى إنهم ليتخذونه منطلقًا أساسيًّا فى عملية تحريض الأمة وتعبئتها وحشد طاقاتها سواء الفكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية من أجل الوثوب إلى السلطة واكتساب مظاهرها، من خلال إشاعة أحكام عامة بطريقة عشوائية – غير صحيحة شرعًا ولا واقعًا- بأن أنظمة الحكم التى ارتضاها المسلمون “غير شرعية”، وأنها “أنظمة جاهلية مغتصبة لسلطة لا تستحقها”. وهم بذلك يعملون على تسطيح فكر الشعوب وإحداث هزة فى إيمان الأفراد بضرورة الأوطان والمحافظة عليها بالنفس والنفيس، لأنها “حفنة من تراب” بحسب زعمهم، ولاشك أن فى هذه الدعوى انسياقا وراء شعارات وهمية، واعتقادا بنماذج افتراضية، لم يشهد لها التاريخ ووقائعه بالاعتبار ولم تُبْنَ على دراسات علمية حقيقية ولم تَرَاعِ الواقع ولم تعترف بحاجات الناس ولم تنظر إلى فقه المآلات.


إن القاعدة الشرعية تقرر أن:”الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ”، فإذا تعسر وجود إمام واحد للمسلمين، لم يسقط حق الناس فى تولية أحد عليهم حتى لا يصيروا لا رئيس لهم ولا ضابط يسوسهم، وهذا حاصل فى الدولة المعاصرة، التى تحققت فيها جملة المقاصد الشرعيَّة التى ينشدها الشرع من الدولة من نحو سياسة الناس وتدبير شئونهم وتنفيذ الأحكام وتجهيز الجيوش وكسر شوكة المجرمين والأخذ على أيديهم، وإظهار الشعائر.


كما أنه لم يسقط فرض الكفاية الذى يقضى بوجوب مواصلة أولى الأمر فى الأمة للاجتهاد فى صياغة البدائل الملائمة وتفعيلها على أرض الواقع، والتى من شأنها تحقيق وحدة الناس وجمع شملهم، امتثالًا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)[آل عمران:103]، وهذا حاصل أيضًا بصور متعددة، حيث توجد منظمات حقيقية تقوم على جمع كلمة الدول على أساس الهوية الإسلاميَّة المعتمدة فى الدستور والشائعة فى السكان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف